التخطيط الاستراتيجي في التعليم العالي
الكاتب: شادي بن عيسى حولدار "عضو هيئة تدريس في جامعة طيبة"
إحدى المكتسبات المؤسسية لعهد ما بعد الرؤية هو انتشار ثقافة التخطيط الاستراتيجي داخل الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية؛ لا سيّما داخل منظومة الجامعات السعودية. يأتي هذا التوجه الإيجابي في وقتٍ أمكن فيه للجامعات الاستفادة من التجارب العالمية السابقة التي كشفت أنّ ما يتجاوز الـ 90 في المائة من الخطط الاستراتيجية تبوء بالفشل نتيجة لعدم انخراط المعنيين بالشكل الصحيح منذ بداية عملية بناء الاستراتيجية، وضعف التخطيط الذي يؤدي بدوره للفشل في التنفيذ والمتابعة من خلال قراءة مؤشرات الأداء. أجادت الجامعات في الاستفادة من هذه الدروس العالمية السابقة، وتجدر الإشارة إلى أنه وبعد الاطلاع على الخطط الاستراتيجية لمجموعة من الجامعات السعودية أرى بوضوح الجهد الجبار الذي يتم وضعه لجزئية التخطيط، ولكن الإغراق في التخطيط قد يؤدي بشكل غير مقصود إلى ضيق في التنفس يثني عن النجاح في تحقيق التموضع الاستراتيجي.
التخطيط هو علم قديم، أما الاستراتيجية فهي مفهومٌ حديث. الاستراتيجية هي اختيار الملعب الذي ستلعب فيه وكيف ستلعب لتنجح مقارنة باللاعبين الآخرين. جميع الجامعات تتحدث عن التميز في التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع بنفس النبرة ودون اختلاف سواءً كانت جامعة من الجامعات الثلاث الكبار، أو جامعة ناشئة تفتقد للبنية التحتية التي تؤهلها للعب دور بحثي مماثل للثلاث الكبار وهذا يشير لوجود قصور في فهم معنى أن تكون لديك استراتيجية للتمايز والاختلاف عن باقي اللاعبين تمكنك من تحقيق النجاح. حقيقة أن تكون استراتيجية جامعة "سين" مشابهة لاستراتيجية الجامعات الأخرى يعني افتقاد الجامعة "سين" للاستراتيجية حتى وان كان لديها خطة استراتيجية معتمدة ومنشورة على الموقع الجامعي! حيث أن الخطة والاستراتيجية ليستا مترادفتين.
الاستراتيجية كمفهوم تقع بين الرسالة والخطة التشغيلية للجامعة، الاستراتيجية هي الوسيلة لتحقيق الرسالة بان تختار الجامعة على سبيل المثال ان كانت ستلعب في ملعب التميز في منح درجات البكالوريوس، أم الماجستير، أم الدكتوراة، أم الدبلومات، هل ستلعب لتتميّز في تخصصات الرعاية الصحية، أم الهندسة والتقنية، أم العلوم الإنسانية والقانون وإدارة الأعمال، هل ستلعب على المستوى المحلي أم الإقليمي أم العالمي، هل ستستهدف الطلبة التقليديين أم من هم على رأس العمل لإعادة التدريب والتعليم المستمر؟
الاستراتيجية هي خيار ونظرية تراهن عليها الجامعة لتحقيق التمايز والنجاح مقارنة بباقي الجامعات، ومن المتوقع أن تختار الجامعات الأخرى خياراتٍ مختلفةٍ تراهن بدورها عليها، وكلا الخيارين يحملان احتمالية الفاعلية لتحقيق التموضع الاستراتيجي. على الرغم من أن بعض الأولويات التشغيلية مؤخراً أصبحت تحتل موقعاً في الصدارة في الخطط الاستراتيجية للجامعات إلاّ أنّ من المهم التفريق بين الجزء التشغيلي والاستراتيجي، فالاستراتيجية هي الخيار الاستراتيجي الذي تختاره الجامعة "سين" لتحقيق استدامة مالية ورفع الموارد مقارنة بخيارات الجامعات الأخرى المختلفة وهي الغرض من وراء هذه الإجراءات وكيف ستسهم في تحقيق التموضع الاستراتيجي للجامعة مقارنة بالآخرين. فلنحافظ على المكتسبات العظيمة التي حققناها في عهد ما بعد الرؤيا المتمثلة في تبني ثقافة التخطيط الاستراتيجي وقياس مؤشرات الأداء، والخبرات العظيمة لدى منسوبي الجامعات في توظيف أدوات التخطيط الاستراتيجي؛ ولنعمل الآن على تعزيز بناء الذهنية الاستراتيجية لتحقيق التموضع الاستراتيجي بشكل حقيقي مقارنة باللاعبين الآخرين.