مشاعر إلكترونية
الكاتبة: سلافة سمباوه
الكثير من الأفلام التي تبدو لنا خيالية وغريبة، كأن يقع شخص في حب جهاز تكنولوجي مزود بالذكاء الاصطناعي. فكيف يمكن أن يقع شخص في حب شيء بلا شعور؟ لكنها في الحقيقة تصوِّر حقيقة علاقة الإنسان بالتكنولوجيا، والتي تطورت من الاستخدام الضروري إلى الحب ثم الإدمان. هذا الإدمان ستراه جليًّا لو جلست في أي مكان عام، وتطلعت إلى الجالسين بجوارك، ستلاحظ أن أغلبية الناس عيونهم ملتصقة بشاشة الهاتف أو الآي باد، ومنفصلين تمامًا عن من حولهم، كأن التكنولوجيا اختطفت عقولهم.
صار من الصعب عليّ أن أقوم بإجراء حوار مع أي شخص لمدة دقيقة دون أن أجده ينصرف عني ليشاهد فيديو أو يقرأ رسالة أو تعليقًا من أحد متابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي، أو يلعب روبلوكس أو بلوك بلاست.
الإنسان في العصر الحديث صار يفضل أن يقضي وقته في لعبة إلكترونية أو في قراءة تعليق مضحك على أن يتحدث مع أقرب الناس إليه.
ارتباطنا المرضي بالتكنولوجيا سببه أن التكنولوجيا تمنحنا كل ما نريده في الوقت الذي نريده، وتمطرنا طول الوقت بالمثيرات البصرية مثل الفيديوهات والصور، مما يسبب إفراز مادة الدوبامين في الدماغ، وهي المادة التي تلعب دورًا أساسيًا في شعورنا بالسعادة والمتعة. ولأننا نريد أن نحصل على المزيد من المتعة، نجد أنفسنا متصلين بالإنترنت طول الوقت وملتصقين بأجهزتنا حتى نصبح مدمنين دون أن نشعر. ومن المفارقات الساخرة أن التكنولوجيا تم اختراعها لتوفير الوقت ولتسهيل التواصل بين الناس، لكنها تحولت إلى وسيلة لإهدار الوقت ولفصل الإنسان عن العالم الحقيقي.
فالاستخدام المفرط للتكنولوجيا يقلل من قدرة الإنسان على التركيز، ومن مهارته الاجتماعية، ومن قدرته على التواصل مع غيره من البشر، مما يزيد من شعوره بالوحدة والعزلة.
قد تظن أن علاقتك بأصدقائك في العالم الافتراضي حقيقية، ولكن هذا ليس صحيحًا؛ لأن البشر لم يُخلقوا لكي يتواصلوا عن طريق الوجوه الإلكترونية والكلمات السريعة. فلقد أثبتت الأبحاث العلمية أن لغة الجسد تساهم بنسبة 65% من الحوار بين البشر، والباقي يعتمد على الكلمات. وهذا يفسر سر انتهاء العلاقات في العالم الافتراضي بسرعة، وسر اعتماد بعضها على الخداع والكذب؛ لأنك لا تستطيع أن تنظر في وجه من تكلمه حتى تراه وتتعرف عليه جيدًا. لقد أدركت خطورة التكنولوجيا عندما قالت لي صديقتي: "إنني لم أعد أتصل بك، لأنني حينما أشتاق إليك أدخل إلى حساباتك في السوشيال ميديا لأعرف أخبارك."
حينئذ شعرت بالخوف عندما تخيلت أن السناب وعلامات الإعجاب والتعليقات قد تصبح قريبًا وسائل الاتصال الوحيدة بين البشر، وأن صداقتنا بالبشر من الممكن أن تستبدل بصداقات مع آلات تكنولوجية مزودة بذكاء اصطناعي.
فقررت أن أخفف من استخدام السوشيال ميديا وأخصص قدر الإمكان وقتًا أكون فيه بكل جوارحي وتركيزي مع أحبائي وأهلي كي لا تصبح مشاعرنا إلكترونية.