حرية أم تحرر ؟
الكاتبة : سلافة سمباوه
حديثنا الجدلي المستمر ، المستفز على الدوام ، كغريزة البقاء ، صراع جميل يحفز العقل على التفكير ، لابهم من فينا وجهة نظره صحيحة كلانا صح في اعتقادي ..
هذه المرة كالعادة نقاش في العباءة هل هي حرية أم تحرر ؟ والحديث انفجر بعد غليان .. مابين التحرر والحرية
والفروقات والأدلة والبراهين .. مازالت الفكرة عالقة في ذهني ، أجلت الكتابة حتى أغوص في أفكاري و فلترتها وجدت أن كلمة الحرية من أكثر الكلمات غموضا والتباساً ومما لاشك فيه أن الحرية هي من أقدم المشكلات الفلسفية وأعقدها ، ومازال السؤال في عقلي هل الحرية حالة شعورية أم هي عمل التحرر؟.
يرى بعض المفكرين أن الحرية هي تجاوز أي إكراه داخلي أو خارجي،داخلي يتمثل في الرغبات والشهوات والميول والحاجات النفسية البيولوجية وخارجي يتمثل في الحتميات الطبيعية والاجتماعية لذا نتساءل هل يكفي المرء أن يشعر أنه حر ليكون حراً حقاً أم أن الحرية ممارسة وفعل في الواقع اليومي؟.
فمنذ وعي الإنسان لنفسه سعى إلى تحقيق حريته بشتى الوسائل والطرق ولكن جمهور الفلاسفة اختلف في الإشكالية التالية:هل الإنسان حر أم أن هناك قيود وعوائق تقييد حريته؟.
يرى بعض الفلاسفة الذين يقرون بأن الإنسان حر وهم يستندون في هذا إلى عدة حجج أهمها الحجة النفسية و الإجتماعية بأن الشعور بالحرية دليل كاف على إثباتها
الرواقيون يرون أن العالم يخضع لقوانين ثابتة يسير بمقتضى العلة والمعلول، وأن الكائن الإنساني الموجود في هذا العالم ليس حر لأنه لا يمكن أن يكون حراً بالإرادة غير أن الإنسان ذو طبيعة عاقلة و إذا أراد التحرر والسعادة فلا بد أن يعيش على وفاق الطبيعة بكل ما تنطوي عليه هذه الكلمة من معان أي على وفاق مع قانون الطبيعة الذي يسيّر العالم ويعيش حسب طبيعته العاقلة فيسير المرء في حدود ما يرشد إليه العقل خاضعا لقوانين الكون المعقول فهي قضية حرب بين العقل والشهوات فينتصر العقل إذن الحرية ليست معطى أولي ولا فضل من الطبيعة إنها تكتسب على ضوء ما تملي به الطبيعة الإنسانية الحقيقية وتحررنا يقاس بضعف أو قوة أعمالنا وإنجازاتنا و مجهوداتنا المبذولة فلا بد من قبول الضرورة إذن،كما تقبل الأسطوانة الدوران ، كلما ازداد العقل ازداد فهما لقوانين النظام الطبيعية وهو يقرر هنا ، أن العقل يجب أن يضع قانونا ينظم رغبات الإنسان المتنافرة وبهذا يمكنه التحكم في مستقبله وتحرير نفسه من أغلال العواطف العمياء وإذا أراد الفرد أن يكون كاملاً لا ينبغي أن يتحرر من قيود المجتمع ونظامه لأن سموّ المرء إنما هو في التحرر من ضرورة الغرائز وعليه أن يتقبل القوانين الطبيعية والإلهية بسرور لأن الإنسان الذي يرى الأشياء تسير وفقا لنواميس الله لن يستاء أو يتذمر مع أنه قد يقاوم وذلك فإنه يرتفع من لذات الأهواء إلى صفاء الفكر والعقل ولكن أغلب الناس لم يدركوا الضرورة ولذلك وجد عبر التاريخ السيد والمسود وإذا أراد الإنسان التحرر من هذه الجدلية فلا بد أن يقدم على اكتشاف القوانين الموضوعية لتطور الطبيعة والمجتمع والفكر،
بعضهم يرون أن تجربة الشعور الداخلية كافية على أننا أحرار ، الإنسان يحس من نفسه وقوع الفعل فإذا أراد الحركة تحرك وإذا أراد السكون سكن،ومعناه أن الأفعال التي يقوم بها إنما يمارسها بإرادته وحسب الظروف التي تلائمه وهناك مستويين من الأنا فالأنا السطحي يمثل ردود الفعل و الاستجابات العفوية والعادات التي يقوم بها الإنسان تحت تأثير العوامل الخارجية، أما الأنا العميق فهو مصدر الحرية الحقيقي الذي تشعر به عندما نلتزم بإرادتنا واختيار بعيد عن الحتميات لذا نجسد حريتنا بعيدا عندما نقف من أنفسنا مواقف نقد وتقييم واعية وبهذه الصورة الواعية تسمع صدى الحرية الهافت الذي يسري كديمومة مفصلة لا تتوقف، أما أصحاب الحجة الاجتماعية فهم يرون أن الحرية ممارسة فعلية تتجسد في الحياة الاجتماعية فالآخر هو سبب وجودها ويمكن أن يكون عائقا لها فبدون المجتمع لا يمكن أن توجد قوانين عادلة تحمي الحريات الفردية فتصبح الحرية مسؤولية لذا فإن كل المجتمعات تعاقب أفرادها عند مخالفة قوانينها ولا تعاقب الأفعال التي لا قدرة لهم عليها وهذا يعني قدرة الإنسان على الاختيار و بهذا يمكن التكلم عن شخصية بدون مقومات اجتماعية ولا الحديث عن حرية الإنسان حرية الفعل وفق ما تجيزه القوانين الاجتماعية،فبدون المجتمع لا يمكن أن نتحدث عن المسؤولية بدون حرية الاختيار، أما أصحاب الحجة الأخلاقية فالواجب الأخلاقي يتطلب قدرة للقيام به إرادة الكائن العاقل لا يمكن أن تكون إرادته إلا تحت فكر الحرية أما أصحاب الحجة الميتافيزيقية فروادها يرون أن الإنسان حر والبعض يتحجج بأدلة من القرآن الكريم تنسب إلى الإنسان حريته في اختيار أفعاله يقول الله تعالى (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)،وقوله تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره)،فهو بذلك أو ذاك حر مخير، واعتمدوا أيضاً على مبدأ التكيف يقول الله تعالى (لا يكلف الله نفساً إلاّ وسعها)،فالتكيف يكون هنا سفها إذا كان(اعمل يا من لا قدرة له على العمل)،ولكن بصيغة(اعمل يا من تستطيع أن تعمل)،وبالتالي إمكانية صدور الفعل أو عدمه فهو الاختيار وما يبرز هذا هو الثواب والعقاب والجنة والنار فالله لا يحاسبنا على الأفعال التي لا نكون مسئولين عنها يقول تعالى (وما ربك بظلام للعبيد)،ولا معنى للثواب وللعقاب إذا كان المرء مجبراً مكرهاً.
لكن رغم هذه الأدلة والبراهين لم يصمد هذا الرأي للنقد ذلك أنه ما من شك غير كاف كذلك أنه يمكن أن يكون وهما وخداعا لأننا نقوم بأعمال معينة مع شعورنا بحريتنا إلاّ أننا مقيدون بعدة أسباب فالشعور يكفي للتدليل بها فهو يثبتها كما يثبت الحتمية ولا معنى للقانون والنظام ما لم يعمل به أصحابه وشروطه،أما أصحاب الحجة الأخلاقية فهي قائمة على التسليم بالحرية حتى لا تتهدم وفكرة التسليم لا تكفي للبرهنة عليها
ربط الحرية بالتحرر قد يجعل المرء يتجاوز الكثير من الحدود ظنا منه أنه يتحرر فتنقلب أفعاله إلى نوع من الفوضى قد يشكل خطرا عليه وعلى من حوله لذا لابد من الوعي الدقيق.
وأخيرا فالحرية ليست مجرد شعور نفسي بل هي عمل مستمر للتحرر يتجلى كلما برزت أمام المرء العوائق والحواجز التي تجعله يبذل جهودا ملائمة لتجاوزها فيتحرر من ضغوطها وبهذا فليست الحرية شيئا جاهزا نجده أو نقتنيه بل هي ممارسة يومية على المستوى النفسي والاجتماعي والفيزيائي وقد صدق من قال ( ينال المرء دائما الحرية التي هو أهل لها والتي هو قادر عليها).
ويظل النقاش جميلاً غير منتهي
هل هي حرية أم تحرر؟