الشفاء بالكتابة
سلافة سمباوه
كتب ما حمله في صدرة سنوات ، الجم قلبه . وأد دموعه وتصنع الصلابة .. بعد خمسون عاماً فك لجام قلبة وتقيأ الحنين والألم وسمح بالماء المالح أن يحرق مقليته ثم ابتسم توسد روحه الحرة ونام بعد سنوات من الأقنعة لم يكن يدرك أن كتابة مالم يقله شفاء ، الكتابة تخفيف عبء وأحمال وادراك ما حجبته التشويهات المعرفية واخيرا ادرك أن الكتابة ولادة
ما المُغري في الكتابة؟ لماذا تغوص سِكّين الحروف بكامل بهائها في قلب الكاتب، وحينَ يُشفَى من طعناتها تنمسح الذّاكرة السّيّئة ولا يبقَى إلاّ ذلك الخَدَر اللّذيذ الّذي يدفعه إلى اقتراف ألم الكتابة من جديد؟ هل كانت الكتابةُ ولادة؟ هل كلّ آلام المخاض تزول عند رؤية المولود الجديد، وعلى شفتيه شبح ابتسامةٍ هاربة، ويُعلِن عن وجوده برفس الهواء برجليه في الجهات الأربع.
نحن نكتب لنُشفَى من جراحنا، جراح الشّعور، نحن نكتب لأنّ حاجةً مُلحّةً في أعماقنا تدفعنا إلى ذلك، تدفعنا إلى التّجريب، تدفعنا إلى لذّة الخلق، الكتابة خلقٌ من نوعٍ ما، معرفة قدرتنا في إنجاز خلقٍ على نحوٍ يُثير الدّهشة، دهشتنا الطّفوليّة الأولى، أو يدفعنا إلى أنْ نفخر بما أنجزْنا.
نحن نكتب؛ لأنّنا لا نملك إلاّ أن نكتب، أنْ نقول، أنّ نسرد، أن نحكي، وأنْ نقصّ كلّ ما في أعماقنا، ربّما لو توقّفْنا عن فِعل ذلك لمُتنا. القلم إكسير الحياة، والحروف أرواحٌ جديدة، والورق إغراء بالاستمرار، وكلّ لحظات اللّقاء مع الورقة البيضاء يعني أنّ حياةً جديدةً سوفَ تُكتَب لنا، وانّنا ربّما سنعيش أعمارًا طويلةً.
، نحن نكتب لننجو من الموت، نكتب لكي نحظى بخلودٍ من نوعٍ خاصّ، نحظى بجمهورٍ خاصّ، بأولئك الّذين يستعيدوننا من خلال ما نكتب، ويستحضرون هالَتنا من خلال حروفنا التّي نأمل أنْ تعيش بعدنا أزمنةً عديدة.
يقول جورج أورويل في كتابه (لماذا أكتب؟) مُجيبًا عن هذا السّؤال من خلال أربعة دوافع؛
الأوّل: أنْ تبدو ذكيًّا، أنْ يتمّ الحديث عنك، أنْ تُذكَرَ بعد الموت، أنْ تنتقم من الكِبار الّذين وبّخوك في طُفولتك.
والثّاني: إدراك الجَمال في العالَم الخارجيّ، البهجة من أثر صوتٍ واحدٍ على الآخَر. في تماسُك النّثر الجيّد، أو إيقاع قصّة جيّد.
والثّالث: رؤية الأشياء كما هي، لاكتشاف حقائق صحيحة، وحِفظها من أجل استخدام الأجيال القادِمة.
والرّابع: ادَفْع العالَم في اتّجاهٍ مُعيّن؛ لتغيير أفكار الآخَرين حول نوع المجتمع الّذي ينبغي عليهم السّعي نحوه.
تُؤلمني كمّيّة الضمادات الّتي أغطي بها جروحي وأنا أكتب أحتمي بها حالَما أرى بعضَ قُرّائي سُعداء بما أقول وأكتب.. ثُمّ أذهب وحدي إلى غابةٍ كثيفةٍ من أسئلة تُشبه الحريق، وأكرّر بيني وبينَ عقلي: كنتُ على حَقٍّ فيما كتبتُ؟ لماذا تراني كتبتُ أكثرَ مِمّا قرأت؟ هل فَعَلها مجانين مثلي ؟