الحصان الرابح ..
تحدثت خلال المقالات السابقة عن الموارد غير المُستغلّة في المملكة بالشكل الأمثل، واستكمالاً لهذا الأمر، فنركز في هذا المقال على التمور التي تُعد الحصان الرابح لإحداث تنمية اقتصادية كبيرة في القطاع الزراعي، ولكن ما زال ينقصنا الكثير والكثير في تطوير هذا القطاع، من خلال إنشاء الكثير من الصناعات المختلفة التي إذا حدثت، فلا أبالغ القول بأننا سنكون أمام طفرة صناعية كبرى في مجال التغذية.
صحيح أن المملكة تحتل المرتبة الثانية على مستوى العالم في إنتاج التمور بحجم إنتاج يقدر بـ1.6 مليون طن سنويًا بما يمثل 17% من حجم الإنتاج العالمي، حيث وصل عدد النخيل لـ34 مليون نخلة، مقسمة كالآتي في القصيم 11.2 مليون وفي المدينة المنورة 8.3 ملايين، وفي الرياض 7.7 ملايين، وفي المنطقة الشرقية 4.1 مليون، أي أن هناك نخلة لكل مواطن تقريبًا وفقًا لموقع العربية، ورغم ذلك فالمردود الإقتصادي لهذا الكم الهائل من الإنتاج وحجم النخيل، كان قليلاً للغاية وقدر بــ1.28 مليار ريال، من خلال تصدير 321 ألف طن فقط.
ما سبق ذكره يعني أننا أمام معضلة رئيسية في إنتاج التمور، فهناك عددًا من التحديات والمعوقات التي تواجه تصدير التمور، تتمثل في إنتاج أصناف غير مطلوبة لسوق التصدير، خلاف عدم التسويق بالشكل الجيد، بالإضافة لوجود منافسة قوية في الأسواق العالمية، ولكن من الممكن مواجهة هذه التحديات، من خلال وضع استراتيجية لتنمية هذا القطاع، بما يسمح بمضاعفة حجم الصادرات من التمور أكثر من مرة خلال وقت قصير للغاية، والعمل على زيادة جودة التمور، خلاف التغليف الجيد، فالعين تتذوق قبل الفم دائمًا، وبالتالي مضاعفة حجم المردود الإقتصادي من هذا الصناعة التي لم تأخذ حقها في الإهتمام حتى الآن، ولنا في تجربة تونس عبرة التي تصدر 10% من صادرات العالم من التمور، رغم أنها لا تنتج أكثر من 4% من الناتج العالمي، وفقًا لموقع الجزيرة.
من الأخطاء الكارثية النظر إلى التمر على أنه مجرد فاكهة صيفية حسنة المذاق فقط، بل أن التمر ليس كغيره من الفواكه، فهو يصلح لإعداد الكثير من الصناعات الكفيلة بإحداث تحول جذري في مجال الصناعات الغذائية في المملكة، وتصدير التمر بصورته البدائية أشبه بتصدير المواد الخام، فمن الممكن انتاج العسل "دبس التمر" الذي يستخدم في صناعة الحلويات كبديل للسكر والآيس كريم، خلاف صناعة لفائف التمر "تمر الدين" كبديل عن لفائف قمر الدين، وإنتاج عصائر التمور، ومشروبات التمور الغازية، وإنتاج السكر السائل من التمور، وإنتاج مربات التمر، خلاف إنتاج الإيثانول، والخل، وحمض السيتريك "حمض الليمون"، وخمیرة الخبز، وإنتاج الوقود الحیوي.
الفائدة ليست من التمر فقط ، بل إن هناك إمكانية لتصنيع نوى التمور وتحويلها إلى منتجات غذائية مفيدة مثل صناعة زيت النوى (الزيت المستخلص من النوى)، حيث يحتوي نوى التمر على نسبة من الزيوت الغذائية الصحية التي تقلل من نسبة الكوليسترول في الدم، كما يستخدم نوى التمور في صناعة القهوة العربية بعد تحميصها وطحنها وانتاج مشروب خالي من الكافيين بعد تدعيمه بالنكهات المناسبة، وكذلك يستخدم النوى كألياف تغذية بعد طحنها خاصة في قطاع منتجات المخابز، ويستخدم في صناعة الأعلاف والمنتجات الصيدلانية والطبية وإنتاج الكربون النشط، أما عن مخلفات النخيل فمن الممكن أن تستخدم في إنتاج السماد العضوي، وإنتاج الأخشاب والفحم.
وأخيرًا وليس آخرًا، ففي هذا المقال حرصت على أن أتحدث عن مورد لم يستغل بالشكل الأمثل، فقد ينظر البعض إلى النخل على أنه مُنتج للتمر فقط، ولا يعلم أن هناك إمكانية لإنشاء عشرات الصناعات على التمر ونوى التمر، ومخالفات النخيل، ولذلك أقترح إنشاء مجمعات صناعية خاصة بالصناعات الغذائية سالفة الذكر في القصيم أو المدينة المنورة، حيث تتركز مزارع النخيل، فكما أقول دائمًا إذا أردنا أن ننجح في صناعة شيئًا ما، فيجب أن نبحث عن تصنيع شيء نمتلك فيه ميزة نسبية، فإذا قمنا بتصنيع منتج استوردنا كافة مدخلاته من الخارج، فبالتأكيد لن ننجح.
الكاتب / أ. د محمد بصنوي