"الصناعة أولاً" .
الكاتب البروفيسور/ أ-د : محمد احمد بصنوي
في ظل اهتمام خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير محمد بن سلمان بتحقيق طفرة اقتصادية لم تحدث من قبل في البلاد، أمر جلالته بفصل الصناعة عن وزارة الطاقة، وإنشاء وزارة مختصة بالصناعة والثروة المعدنية في أغسطس عام 2019، وهذا القرار نال إشادة الكثير من الخبراء الإقتصاديين، وتولي مسؤولية هذه الوزارة بندر بن إبراهيم الخريف الذي تقلد العديد من المناصب قبل الوزارة لعل أهمها: عضو مجلس الشؤون الإقتصادية والتنمية، وعضو مجلس إدارة الهيئة الملكية لمدينة الرياض، عضو مجلس إدارة الشركة السعودية للصناعات العسكرية، وعضو مجلس إدارة هيئة المدن الإقتصادية الخاصة.
صحيح أن معالي الوزير بندر بن إبراهيم، قام بجهد كبير في تطوير القطاع الصناعي خلال السنوات القليلة الماضية، حيث زادت عدد المصانع من 7741 مصنع، لـ 10,685 مصنع، بحجم استثمارات بلغ 1.367 تريليون ريال، وفقًا للنشرة الشهرية للصناعة والتعدين لشهر يوليو 2022، الصادرة عن وزارة الصناعة والثروة المعدنية، وهذه الطفرة العددية في المصانع، لا يمكن أن يُنكرها إلا جاحد، إلا أنه يجب أن ننظر إلا الكيف وليس الكم، فمعظم هذه الصناعات استخراجية تتركز على التعدين بصورة مماثلة للنفط، وبدون قيمة مضافة تُذكر، وما يثبت صحة هذا التصور، هو قيمة الصادرات غير البترولية للمملكة العربية السعودية لشهر إبريل من العام الماضي قدرت بـ137 مليار ريال، واستحوذت الصادرات التعدينية على 110 مليار ريال من اجمالي الصادرات غير البترولية "شاملة إعادة التصدير" وفقًا لموقع "cnn" عربي.
لا أستطيع أن أُنكر بأن وزارة الصناعة تعمل بكل طاقتها وكافة إدارتها من أجل تطوير القطاع الصناعي، وفي هذا الإطار كشف البدر فودة وكيل وزارة الصناعة والثروة المعدنية عن انخراط جميع المصانع بالمملكة ضمن برنامج "مصانع المستقبل" لتحويل 4 آلاف مصنع من الإعتماد على العمالة ذات المهارات المنخفضة إلى الأتمتة وكفاءة التصنيع، مما يرفع من تنافسية الصناعة الوطنية وجودتها ويخلق وظائف نوعية، ويشمل هذا البرنامج العديد من المزايا منها : تمويل يصل إلى 75% من التكاليف المؤهلة للتمويل، وتمويل تحفيزي إضافي يغطي 25% المتبقية من قيمة المشروع، بحد أقصى 10 مليون ريال، وفترة سماح تصل إلى 24 شهرًا، وفترة سداد تصل إلى 7 سنوات على الأقل، إضافة إلى مسار سريع لمراجعة الطلبات في وقت لا يتجاوز 8 أسابيع.
ليس هذا فقط بل كشف معالي نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية المهندس أسامة بن عبدالعزيز الزامل عن "الاستراتيجية الوطنية للصناعة" التي تستهدف إنتاج 800 ألف طن من الكيماويات المتخصصة، وإنشاء 15 مصنعاً للتقنيات الحديثة ومستشعرات إنترنت الأشياء، وزيادة صادرات منتجات التقنية المتقدمة بنحو 6 أضعاف، ومضاعفة الناتج المحلي الصناعي بنحو ثلاث مرات، ليصل إلى 895 مليار ريال، ومضاعفة قيمة الصادرات الصناعية إلى 557 مليار ريال، وخفض العجز في الميزان التجاري الصناعي بأكثر من 80%، والوصول بمجموع قيمة الإستثمارات الإضافية في القطاع إلى 1.3 تريليون ريال، وزيادة أعداد المصانع في المملكة بحلول عام 2035 إلى 36 ألف مصنع من بينها: ثلاثة مصانع متقدمة للأدوية الحيوية واللقاحات الطبية، وأربعة مصانع لتجميع مكونات الطائرات، وثمانية مصانع لتشكيل المعادن.
رغم كل هذه الخطط والأفكار الجيدة للغاية، إذا ما طبقت على أرض الواقع، إلا أنه يجب العلم بأن الدخول إلى الصناعات المتقدمة ومنافسة الدول الأسيوية أو الأوروبية ليس طريقًا مفروشًا بالورود، بل أمر صعب بسبب المنافسة الشرسة مع هذه الدول، فالتصنيع في حد ذاته لا يجب أن يكون هدفًا، فلا توجد قيمة إذا ما استطعنا تصنيع منتجات تكنولوجية بكفاءة أقل، أو بأسعار مرتفعة غير قادرة على المنافسة، ولذلك هناك ضرورة لإطلاق استراتيجية في الصناعات التحولية التي نمتلك فيها ميزة نسبية مثل صناعة الألواح الشمسية التي تعتمد على الرمال، أو السيلكون الذي يستخدم في صناعة الكومبيوتر، أو الزجاج وغيرها من الصناعات التحولية التي تمتك فيها المملكة ميزة نسبية، لا تتوفر في الكثير من الدول، ومن ثم نمتلك زمام المبادرة في تلك الصناعات.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، تُعد الرمال البيضاء نفط المستقبل، فهي ثروة قومية لم تستغل بالشكل الكافي حتى الآن، وفي حين استغلالها بالصورة المطلوبة، فهي قادرة على نقل المملكة إلى مصاف الدول المتقدمة، حيث قدر سوق الرمال العالمي بـ70 مليار دولار وفقًا لموقع "العربية" بسبب الصناعات العديدة التي تعتمد على الرمال، فلك أن تتخيل أن سعر طن الرمال بعد تصنيعه لزجاج يقدر بـ1000 دولار، وفي حال تصنيع لرقائق الكترونية يُقدر بـ100 الف دولار بما يعادل أكثر من 5 آلاف ضعف المادة الخام، ولعل ما سبق ذكره يُبزر أهمية التوجه بقوة نحو الصناعات التحويلية للاستفادة من القيمة المضافة.
وأخيرًا وليس آخرًا، يجب أن نعلم بأن تحقيق نهضة صناعية، خاصة في مجال الصناعات التحولية، لن يحدث بين يومًا وليلة، وسيأخذ بعض الوقت، ومن المهم أن نبدأ الآن، وأن لا نتأخر أكثر من ذلك، فهذا الوطن بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله ورعاه وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، قادر على تحقيق المستحيل.