*آلا ليت الشباب يعود يوماً !*
بداية السنوات الأولى لمرحلة الشباب في هذا العصر، عصر السرعة نشاهد الشباب لا يمشون ، بسرعة بل يركضون ، لا بل يهرولون ، سراعاً ، صباحاً، ومساءًا للوصول لكل شيء ، و لحاق أي شيء ، حتى وإن كان لا شيء . كأنهم فى سباق مع الزمن . في المساء سهارى عندما يخيم عليهم ظلام الليل وسكناته وقد نرى أقل القليل منهم (ساري بالليل هارباً من جراحه ، يبحث عن صباحه ) وفى الصباح حيارى فمن بدري ،الكل يجري ، على مهام أعماله و هكذا هم في هذا الزمان، وكذلك هم في أي زمان، و في أي مكان كان .
الكثير منهم يحبّون بسرعة ويكرهون بسرعة ، ويأكلون بسرعة من الوجبات السريعة ، وينامون و يستيقظون، بسرعة، و الود ودّهم ينالون كل شيء، وأي شيء مهما طال، بهم الزمان وحتى و إن صَعُب عليهم المنال ، يتمنّى الشاب منهم أن يشتري الجمل بما حمل ، ويريد أن( يحصل على الكل ,قبل الكل)وإذا شاخ يبيع الكل، ويبيع الجمل ، بما حمل . تَرى الكثير منهم طوال الليل سهارى مع السهرانين ، وطوال النهار بعد التعب وجهد العمل نائمين ،هم هكذا لا مع هؤلاء ، ولا مع هؤلاء، و كذلك هم كل ساعة فى حال، ولا يهدأ لهم بال، فى كل الأحوال، وأي حال كان.
لكن مع كل هذا وذاك الشباب هم أمل الغد حماة الوطن وجميعهم أصحاب أفكار و عبقرية . وبنية، قوية وعنفوان و نشاط وحيوية و سواعد مفتولة وجنود مجنّدة لخدمة الوطن في أي مجال كلُّ حسب إختصاصه وقدراته ، و هواياته ،وميوله و رغباته.فالشباب يمضي والعمر يمضي وتمضي معه القوة والهمة وهكذا يتخطى الشباب شبابه ويتخطى الرجولة، وصولاً لأول محطة للشيخوخة محطة الوقار التي تَبّيضُ فيها كل الشعرات ويشيب الرأس ولقد تغنى المطرب ناظم الغزالي في أحد اغانيه بالبيت المشهور من قصيدة أحد الشعراء : (عيرتني بالشيب وهو لي وقار فياليتها عيرت بما هو عار ). كما نرى القليل منهم إن صح القول سوف يصبح بأربعة عيون و ثلاثة أرجل فإذا مشى أياً منهم ، (يمشي الهوينا كأنّ مشيته من هنا لهناك لا ريث ولا عجل ) . فكل من يتقاعدون يصلون لمرحلة الشيخوخة سوف يعيش داخل غرف ذكرياته العتيقة، ويظل من خلف نوافذها ليشاهد شريط أيام ذكرياته القديمة ،وليالي أحلامه السعيدة، ويعيش حاضره، على ماضي زمانه. ففى بداية المساء يهجع بهدوء وصمت فإذا( أقبل الليل ) ينعس وفى أواخر ليله إذا ( سكن الليل)ينام بكل راحة وإطمئنان وإذا أصبح الصباح بضوئه ولاح عاد إلى ذكرياته تلك الذكريات التى تداعب مشاعره (وفكره وظنًه )بماضى لياليه وأيامه الخوالي في ذلك الزمان ، زمان الشباب الذي عاش فيه بقمة نشاطه فى أيامه وبأحلام نوم لياليه الجميلة ،ويقظة شموس أيام الصباح الساطعة الذى لن تعود إلا بالذكريات التى كانت حقيقة فذهبت أدراج الرياح وأصبحت فى خبر كان وعفى عليها الزمن .
وخلاصة القول (ومن أجل الآتي) ومن أجل مستقبل غدٍ مشرق للوطن لابد من مزج همّة الشباب وعنفوانهم، بعصارة حكمة الشيوخ وتراكم خبراتهم، ودروس تجاربهم فالوطن لا يستغني عن أحدهم ، أبداً ففي البداية الشباب، شباب اليوم الحاضر فيهم همّة، و قمة فى النشاط والحيوية وفى الغد هم شيوخ فيهم البركة ،ولديهم التجارب والحكمة ، فهؤلاء الشباب يبنون الوطن بسواعدهم القوية وباللياقة البدنية ، والحيوية ومعهم أولئك الشيوخ باللياقة الذهنية وبتجارب السنين وخبراتهم الذكية .
وفى النهاية يقول الشاعر أبي العتاهية فى قصيدته المشهورة بعد أن تخطّى مرحلة الشباب وأصبح شيخاً ،كبيراً مخضرماً :
بكيت على الشباب بدمع عيني
فلم يغنِ البكاء ولا النحيب
فياليت الشباب يعود يوماً
لأخبره بما فعل المشيب .
الكاتب / فيصل سروجى