الثلاثاء, 26 يوليو 2022 08:00 صباحًا 0 343 0
أقلامٌ مُغَـلَّـفة
أقلامٌ مُغَـلَّـفة

أقلامٌ مُغَـلَّـفة


مع اقتراب بداية موسم معارض الكتاب من كل عام تبدأ حملة نشر أغلفة الكتب الجديدة الصادرة عن دور النشر، أعمالٌ متنوعةٌ ونتاجاتٌ فكريةٌ أدبيةٌ متعددةٌ عكَف على كتابتها أصحابُها لسنةٍ أو تزيد، حراكٌ هو أشبه بالسباق لطرح ما يمكن طرحه والمشاركة به لاقتناص نظرة القارئ ومحاولة إقناعه باقتناء ما لذّ وطاب من مائدة الكتب العامرة، رحلةٌ تبدأ بالألوان الزاهية والرسومات التي تثير الفضولَ في نفس القارئ لمعرفة فحوى ما تحتويه تلك النتاجات بين دفتيها، عشرات بل مئات الأعمال التي تُطرح كل عام تجعل قارئَها يحتار أيها يقتني فيسعد وأيها يترك فيندم أشد الندم، لكن هل كل ما يلمع غلافُه سيحتوي ذهبا؟ وهل العناوين الرنانة تشي عما داخلها فعلاً ليظهر الكتاب من عنوانه؟ 
حينما يفتقر الكاتبُ منا لأبجديات لغته، فيتيه بين (القعود) و(الجلوس) في استخدامه، ويتّكئ على طاولة المدقق الإملائي في نتاجه؛ فإننا لن نقع ضحية نتاجات سيئة وإنما كتّاباً لا يفقهون من الكتابة إلا عناوينها، وهذا ما يضحك الثكلى واقعاً، حيث تجد من يبرّر لنفسه الجهل بوصف الموهوب الذي يقدم الفكرة على طبق الورق ليترك مهمة اللغة -غير المهمة لديه- للمدقق الذي يمكنه تحويل ذلك النتاج لمخمليةٍ جميلةٍ مقابل فتات الأموال، بلا مسؤوليةٍ ولا نفسٍ لوّامةٍ يبرر لنفسه تقصيره في حق قلمه المبدع الذي لن تكون من ضمن أولوياته مخاطبة جمهور القراء بلغةٍ سليمةٍ ذات قواعد متينةٍ تتّصف ببلاغتها وعمق معانيها، ذلك القلم الذي يستمر في إضافة المزيد من الشوائب للمكتبة العربية مؤصِّلاً لمفردات جديدة لا تربطها واللغة صلة، ليأتي بعد سنواتٍ ليلوم مجتمع القراء على استخدام مفرداتٍ دخيلةٍ على لغتهم الأم واصفاً إياهم بالمستغربين عن لسانهم الذي شوّهه هو وأمثاله ممن يسمون أنفسهم (المبدعين).
وبمناسبة الإبداع، قفزت لذاكرتي للتو تلك الليلة الرمضانية التي قضيتها بمعيّة أحد الروائيين الأعزاء الذين أخذوا على عاتقهم همّ القراءة قبل الكتابة، وأمعنوا النظر في دقائق وتفاصيل أمهات الكتب ذات القواعد المتواترة قبل الحديث، الضعيف منها، لأجدَه وبعد رحلةٍ طويلةٍ من الاطلاع والمذاكرة يعترض على استخدام مفردة (القعود) واصفاً إياها بالكلمة القديمة التي لم يعد لها استخدام في زمننا الحالي، ونصحني بحبٍّ أن أستبدلها بمفردة (الجلوس) كونها الأقرب والأجمل لفظاً ومعنى، أذكر أنني ابتسمتُ في وجهه حينها قبل أن أعلّق بأنه صدَق في مسألة جمالها اللفظي لكنه أخفق - مع كامل احترامي – في فهم معناها الذي أتتْ لتحقّقَه من خلال سياق وجودها السردي، حيث لا يمكن الإشارة لمن يهبط من أعلى للأرض بمفردة (الجلوس) وفي ذات الوقت لا يمكننا الإشارة لمن يعلو عن الأرض بمفردة (القعود)، ناهيك عن أن لغتنا العظيمة احتوت مفرداتٍ أخرى نحو (الاتكاء)، (الاضطجاع)، (الهبوط)، وغيرها من المفردات التي تدل على تغير حالة صاحبها من موضعٍ لموضعٍ لتصف بدلالة وجودها حالته الأولى والمستقبلية بدقةٍ وبلاغةٍ أبعد ما تكونان عن الإسهاب، الغريب أنني وبعد طول شرحٍ لعلّة توظيفي لتلك المفردة؛ لم أوفّق لإقناع جناب روائيّنا الناقد حينها، فاندهشتُ لمكابرته.
الأكثر إدهاشاً؛ أنك قد تصطدم ببعض الكتّاب الذين يدّعون أنهم اجتازوا مرحلة التدقيق الإملائي ليقعوا أمام مفرداتٍ بديهيةٍ تجعل الحيرة تأخذ منهم كل مأخذ، فيبدأ بعضهم بالبحث عنها في المعاجم، وبعضهم الآخر يتكاسل عن ذلك فيوجه سؤاله المباشر طلباً للمعنى ممن يبحث له عنه فيأتيه به على طبقٍ من فضة، بعض تلك المفردات تجعلني أقف صامتاً أتساءل بيني وبين نفسي؛ كيف لهذا الكاتب أن ينشر نتاجاً أو أكثر وهو لا يعي معنى كلمةٍ من أبجديات لغته؟ بل كيف يطالب القارئ بفهم ما قدّمه في كتابه في حين لا يفقه هو بضع كلماتٍ يستخدمها العامة في حديثهم اليومي؟ ويطول صمتي لأقف على نتيجة أن صاحبنا يصنّف نفسه ضمن الموهوبين المبدعين الذين لا همّ لهم سوى تقديم الفكرة العامة في حين توكَل مهمة اللغة وبلاغتها – إن وُجدَت – للمدقق الإملائي الشهير باللغوي الذي يجني الأموال نظير تدقيقه وتصحيحه لوضع المرفوع والمنصوب والفاصلة وعلامتي الاستفهام والتعجب، المدقق الإملائي الذي يظن كثيرٌ من الكتّاب – واهمين - أنه قد شغل منصب المحرّر في زمنٍ الكتابة على الورق، ذلك الموظف الذي يطبع ما كتبه المبدع بقلمه على ورق الآلة الكاتبة قبل تسليمه للجهة المسؤولة عن النشر.
وما يثير الغرابة أنك قد تجد كثيراً ممن نسميهم (كتّاباً)؛ لا يتحدثون مباشرةً عن أعمالهم، كما لا يعلّقون في المحافل الأدبية حول فكرهم خشية أن تزلّ ألسنتهم فيعرفهم من يتحدث إليهم ويعي حجم الفضاء ذي الصدى داخلهم، لكنك ورغم ذلك قد تجد التبرير جاهزاً، فالإقلال من المشاركة المجتمعية دليل انشغال الكاتب العظيم فيما يكتب – حسب زعمه- وإن ظهر أمامهم فسوف يشاركهم مما يقتبس من أعمال السابقين الكلاسيكيين مُبرزاً نفسَه بالقارئ النّهِم لأولئك العظماء الدالين على ثقافته العظيمة واطلاعه العميق الذي يجعلك تظنُّ بأن له المنّة والفضل عليهم حين قرأ أعمالَهم، وإن سألتَ ببراءةٍ عن نتاجه وعدم مشاركته الآخرين جزءًا مما يكتب؛ فتح عليك أبواب الجحيم مُتّهِماً مجتمع القراء باللصوصية، وأن امتناعه لم يكن إلا لحفظ حقوقه الفكرية من حدوث تلك السرقة، الأمر الذي يجعل بعضاً من الكتّاب مؤخراً يشيرون إلى وجود جهةٍ قانونية تراقب حساباتهم الرسمية وتقف بالمرصاد لكل من يتجرّأ عليها بأي صورةٍ من الصور.
وبذكر الصور؛ فإن بعضها يكون جميلاً حينما نراه في حسابات تقييم الكتب التي تمتدح عمل فلان وعلان، لكنها ستكون معرّضةً للسرقة وانتهاك الحقوق الفكرية كما يدعي صاحبها حينما نطلب منه أن يشاركنا إياها في حساباته الرسمية، لكن وبعد طول تمعّن؛ قد نجد أن ذلك الوهم الذي يصنعه بعض الكتّاب ليس إلا دليلاً على وجود فجوةٍ خاويةٍ عظيمة الصدى داخل عقولهم وأنفسهم، ذلك الفضاء الخاوي الذي يمكن اكتشافه بسهولةٍ بمجرد متابعة أحدهم والاطلاع على ما يكتبه معلّقاً في أي وسيلةٍ من وسائل التواصل الاجتماعي، وما أكثر ما نجد من أخطاء لغوية وبلاغية بل وإملائية تصطف أمامنا في حسابات من يتبجّحون بالموهبة والقدرة الإعجازية على خلق الأجواء الفكرية التي تحتويها كتبهم المتراكمة على أرفف المكتبات ومعارض الكتاب، أولئك الذين استسهل كثيرٌ منهم حمل أمانة الكتابة وقيادة فكر مجتمع القراء من خلال أطروحاتهم المطبوعة التي لا تتجاوز مرحلة العنوان الرنّان وعبارة توقيع تقدَّمُ كإهداء مُصوَّر، وجمال غلاف..
عبدالعزيز الجاسم
26 يوليو 2022م

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر الخبر

سلمى البكري
محرر وناشر
مدير تحرير القسم الأدبي بالصحيفة

شارك وارسل تعليق

أخبار مشابهة

بلوك المقالات

الصور

.

.

أخر ردود الزوار

الكاريكاتير

استمع الافضل

آراء الكتاب

admin الدعم الفني
صحفي في قسم مناسبات, رئيس فريق الدعم الفني شبكة نادي الصحافة السعودي
شبكة نادي الصحافة السعودية موجودة في "مبادرة تمكين جودة الحياة
2023-09-07   

آراء الكتاب 2

admin الدعم الفني
صحفي في قسم مناسبات, رئيس فريق الدعم الفني شبكة نادي الصحافة السعودي
شبكة نادي الصحافة السعودية موجودة في "مبادرة تمكين جودة الحياة
2023-09-07   
جمعه الخياط جمعه الخياط
صحفي في قسم مقالات, رئيس مجلس ادارة صحيفة صوت مكة الالكترونية
عكس اتجاه البوصلة .
منذ 1 يوم   
فايزه عسيري فايزه عسيري
صحفي في قسم اخبار محلية, كاتبة وناشرة ببوابة صوت مكة التثقيفية
أمانة مكة تنظم ورشة حماية النزاهة وتعزيز الشفافية
2022-08-24   
بدر فقيه بدر فقيه
صحفي في قسم اخبار محلية, || محرر وناشر في شبكة نادي الصحافة السعودي. بكالوريوس نظم المعلومات من كلية الحاسب الألي بجامعة الملك خالد بأبها
عندما يتعرض مصاب بالسكري لنوبة انخفاض السكري وهو واعي
2018-11-20   
عيشه حكمي عيشه حكمي
صحفي في قسم اخبار محلية, محررة وناشرة بالصحيفة
رحلة اكتشافه للبيوت التراثيه لقريه عتود
2019-01-04   
حنين مسلماني حنين مسلماني
صحفي في قسم ثقافة وفنون, محرر وناشر
متصل الان (أحاديث قهوة )
2019-01-18   
شمعه خبراني شمعه خبراني
صحفي في قسم اخبار محلية, محرر وناشر بصحيفة صوت مكة الاجتماعية
وزارة العدل تتيح الاستعلام الإلكتروني عن الإقرارات
2019-12-15   
حورس الدعم الفني
صحفي في قسم اخبار محلية, مسؤول الدعم الفني
صناعة المشاريع دورة تدريبية بمكة
2024-01-24   
ساميه بكر سامية بكّر
صحفي في قسم مقالات, مدير تحرير القسم النسائي بمكة
مسيرة عطاء
2020-11-20   
سلمى البكري سلمى البكري
صحفي في قسم شعر وخاطرة, مدير تحرير القسم الأدبي بالصحيفة
حيث اللاشيء
2024-03-25