رحلة البحث عن لون ..
فرشاة أغرقت باللون الأحمر المخفف باللون الأبيض الذي جعلها تميل إلى البهوت والتي يمسك بها الفنان غريب الأطوار ( ضياء) .. يحب هذا الفنان تخفيف درجة الألوان باللون الأبيض لتصبح اللوحة شبيهة بروعة الخفاء كما يقول هو .. لطخ (ضياء) كل مكان في اللوحة بشكل جميل
..كل الأشياء الموجودة في البيت لطخت بجنون ألوانه وريشته المحبوبة .. ورغم أنه كفنان ملك الألوان بين يديه إلى أنه يميل إلى أن يكون كل شيء باهتا .. يشرب بضع رشفات من شاي الزنجبيل ثم يتابع مايفعله .. نصف اللوحة لم يكتمل وكان بحاجة إلى أن يكمل ، ولكي ينعش قريحته
خرج بعد أن خلع معطف الرسم ليمشي عدة أميال إلى البحر .. كانت الشمس قد شارفت على المغيب وهو الوقت المفضل له لكي ينعش روحه وجسمه .. يأتي صديقه (سالم) الذي تعود أن يقابله عند الميناء وقد أحضر معه هذه المرة القهوة .. كانت القهوة خاصة ل(سالم) سوداء قاتمة .. أما القهوة
التي أحضرها لصديقه ( ضياء ) فكان أكثرها الحليب ، كان (ضياء) ينظر إلى البحر بهدوء راغبا في مد نفسه بهواءه المنعش ولكنه مع هذا لم يتوصل إلى الكثير من الإلهام ، قال له صديقه : إن منظر الغروب في هذه المدينة لهو أروع مايكون فيها ، قال ضياء : أنا أيضا معك في هذا ، - متى ستنشيء
معرضا للوحاتك - ربما قريبا ، - أنت دائما ماتقول هذا لكن أعلم أنك لاتريد ، قالها مازحا ، - قال ( ضياء) : لاتقلق بشأن هذه الأمور ... ، قال صديقه : بأي حال أنا شخص يحب طعم القهوة المرة - هههه لاحظت ذلك إن خاصتك سوداء قاتمة . - لقد أعتقدت أنك لن
تحب القهوة ولكنك الآن تشربها وتنظر بإستمتاع - أنا أهتم بلونها كثيرا وهي تمتزج بالحليب ربما أنا منغمس في الألوان أكثر من اللازم ، - أستطيع فهمك بالرغم أن لا خبرة لي في الرسم ههههه ، وظلا يتحدثان لفترة طويلة ، رجع ( ضياء ) إلى بيته وبالرغم من أنه في كل يوم يحمل الكثير من الأفكار
بعد عودته من البحر ورؤية صديقه إلا أنه لم يحصل على الإلهام بعد ، ثم راح ينظر إلى لوحته وقال : لقد نفذت أغلب الألوان علي أن أذهب لأبتاع لي علبة الألوان وبعض الفراشي ، وبعد وصوله إلى المحل الذي دائما ما يأخذ منه ألوانه لاحظ وجود رجل يبدو غريبا عن المدينة يسأل البائع ، لم يسمع (ضياء)
أغلب الحديث مع أنه كان فضوليا حيال ذلك ، وخرج ذلك الرجل بعدها فقال (ضياء) بشيء من الفضول بعد أن أخذ علبة الألوان من الرف : لم أرى هذا الرجل من قبل يبدو غريبا عن مدينتنا
- رد البائع وأنا أيضا .. كما أنه سألني عن نوع من الألوان يريد ولم أفهم مقصده وأي لون يريد أن يشتري ولكنني أخبرته بأن يبحث
أكثر في كل الأرجاء لعله يجد غايته .
(2)
كان ضياء في نفسه يفكر ماذا سوف يفعل بلوحته الجديدة إضافة إلى أن خاطرا صغيرا راوده حول الرجل الغريب وأحس في حدس ما أنه سيحصل على الإلهام من وراء ذلك وفي اليوم التالي قرر الذهاب والبحث في المتاجر الأخرى عن الرجل فكر في نفسه :
بما أن الرجل سأل عن شيء لا يعرفه البائع فربما هو فنان بحق !
بحث (ضياء) في كل المتاجر ولكنه لم يجد الرجل وعندما ذهب كعادته بعدما يأس من إيجاده إلى البحر وجده هناك يرسم لوحة مميزة عن البحر في وقت الغروب لطالما رسم (ضياء) الكثير من لوحات عن البحر لكنه لم يرى واحدة عن البحر بهذه الروعة .
قال له (ضياء) :
هل لي أن ألقي نظرة على لوحتك سيد ... .
- (فريد) أدعى بذلك .
- لديك لوحة رائعة الآن .
- من دواعي سروي .
- عذرا لتطفلي .. ولكنني رأيتك بالأمس تسأل البائع عن شيء ما هل يمككنني أن أساعدك .
- لا مشكلة بل أنني فعلا مازلت أبحث عن شيء ما إنه لون يشبه انعكاس غروب الشمس على البحر .
- إنها المرة الأولى التي أسمع بها عن ذلك .. أهي قصة خرافية ! .
- كلا .. قد يكون هناك مغزى من هذه القصة كفنان فإنني أطمح أن أرسم لوحة بهذا اللون منذ طفولتي وأنا أسمع عن هذا اللون كقصة قد يقول الكثير إنها خرافية ولكنني دائما ما أبحث وراء هذا اللون .
- مع أنني لا أؤمن بهذا النوع من القصص إلا أن الفضول يغمرني حول ماتتحدث عنه .
_____________
(3)
ظل (ضياء) يفكر فيما قاله له (فريد) وبعدها ذهب إلى البحر مرة أخرى وبعدها وجده ينظر إلى البحر نظرة مودع ومعه أغراض السفر وبعد ذلك قال له (ضياء) :
قبل أن تذهب أريد أن أخبرك ما رأيك أن تذهب معي إلى معلمي إن له خبرة في الألوان وبإمكانك أن تسأله عن اللون .
- هل أنت متأكد .
- لن تخسر شيئا .
وصل الإثنان إلى المعلم وسألاه عن اللون فقال لهما :
ربما ما تبحثان عنه ليس عبارة عن لون ربما لوحة .. أنتما الإثنان رسامان .. اصنعا لوحة تماثل ما تقولاناه (ضياء) أنت جيد في مزج الالوان و (فريد) يعرف كيف يخرج اللوحة بأفضل شكل ممكن فهيا أرياني مايمكنكما فعله .
وذهب الإثنان إلى منزل (ضياء) وحاولا بكل جهدهما أن يخرجا ما لديهما من موهبة لأجل رسم اللوحة وبعد انتهاءهما منها قال :
(فريد) ل (ضياء) :
لقد زرت كثيرا من الشواطئ بحثا عن اللون والآن أنا أعتقد بأن اللوحة التي أمامي قد أشبعت تخيلي حول ما أبحث عنه دوما .
- وأنا أعتقد أني وجدت لوحة تُرضي ذائقتي فلطالما بحثت عن شيء يوقظ بداخلي الإلهام من جديد ..
__________
"افعل الأشياء التي تحب فعلها حقا ,ابحث دائما عن رغبتك الحقيقية ,اصنع الاختلاف والتميز . الطريقة الوحيدة لعمل أشياء عظيمة هي أن تحب ما تفعله "
ستيف جوبز
الكاتبة :
دارين متعب القناوي