الزراعة بالماء
المالح... "الحلم أصبح حقيقة"
قد يبدوا المطالبة بالتوسع في الزراعة أمرا مدهشًا، وضربًا من ضروب الخيال لدى البعض، فكيف تتوسع المملكة في الزراعة وهي دولة صحراوية ، وإذا تم تحلية مياه البحر للتوسع في الزراعة فهذا الأمر غير اقتصادي من الناحية النظرية والعملية، ولذلك علينا التفكير خارج الصندوق، والبحث عن حلول على أرض الواقع، فتوفير الغذاء للبلاد يعتبر مشكلة جوهرية، خاصة إذا علمت أننا نستورد 90% من الغذاء من الخارج وفقًا لبعض التقديرات، ولكن السؤال الآن هو كيفية تحقيق هذا الأمر، في ظل عدم امتلاك البلاد الموارد المائية اللازمة، الإجابة ببساطة تكمن في الزراعة بمياه البحر المالحة، نعم أستطيع أن أؤكد أن ما قرأته صحيحًا 100%، فهناك بعض النباتات القابلة للزراعة على مياه البحر التي تصلح للعديد من الأغراض مثل الأعلاف، أو استخراج الزيوت أو حتى الطعام، ولكن للأسف هذا الأمر غير شائع في بلادنا.
إن نبات السالكورينا الذي يزرع بمياه البحر المالحة، يعتبر من أكثر النباتات التي يمكن أن تستخدم كعليقة أو علف للأغنام، بديلاً للعلائق المصنعة من الحشائش أو علف بذرة القطن، وفقًا لجامعة أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية، كما أن هناك إمكانية لاستخلاص الزيوت من هذا النبات بشكل وفير جدًا، ومن الجدير بالذكر أن المواد المتبقية بعد استخراج الزيت تحتوى على 33-43% بروتين خام ، وأكدت الدراسات أن معدل نمو الحيوانات التي تغذت على العليقة المصنوعة من هذا النبات، مساوياً لنفس المجموعة التي تم تغذيتها على العليقة المصنوعة من الحشائش وقش القمح، كما أن نبتة الجوجوبا التي تنمو على المياه المالحة في المناطق الساحلية في شمال المكسيك، تتميز بتحملها درجة ملوحة عالية واحتوائها على نسبة 50% من الزيوت، بالإضافة إلى إمكانية استخدام أوراقها كعلف للحيوانات، ولك أن تعلم أهمية زراعة هذه النباتات على شواطئ المملكة الممتدة على البحر الأحمر والخليج العربي، إذا علمت أن بلادنا أكبر مستورد للشعير العلفي في العالم، بحجم واردات سنوية تبلغ 8 ملايين طن، وسعر الطن يصل سعره 190 دولارا للطن، بما يقدر بثلث التجارة العالمية من الشعير العلفي، وفقًا لموقع روسيا اليوم .
إن زراعة المحاصيل الرئيسية مثل الأرز بمياه البحر المالح، دون تحلية، فكرة أشبه بالخيال العلمي، وتنسف الكثير من النظريات العلمية المعروفة، ولكن هناك علماء من الصين تمكنوا من تطوير عدة أنواع من الأرز، يمكن أن تنموا في ماء البحر، وفقًا لصحيفة الإندبندت البريطانية، وبحسب نفس المصدر فقد تم زراعة الأرز في البحر الأصفر شرق الصين، حيث زرع العلماء 200 نوع مختلفة من الأرز المطور، وضخوا مياه البحر في الحقول ثم وجهوها إلى حقول الأرز، وكانت التوقعات تشير إلى إنتاج 4.5 طن من الأرز للهكتار الواحد، غير أن المحاصيل تجاوزت التوقعات لتصل إلى 9.3 طن للهكتار الواحد.
تجارب الزراعة بماء البحر لم تتوقف عند الأرز، بل التجارب وصلت إلى البطاطس والكثير من المحاصيل الأخرى، ففي هولندا نجح فريق من الباحثين بقيادة مارك فان ريسيلبيرغي تحت إشراف جامعة أمستردام، على زراعة حوالي ثلاثين نوعا من البطاطس بالمياه المالحة، ويؤكد فريق الباحثين على أن البطاطس المزروعة في المياه المالحة حلوة المذاق، إذ أن النبتة تنتج كميات أكبر من السكر للتكيّف مع ملوحة البيئة، ولا تحمل هذه النباتات كذلك أي خطر في زيادة استهلاك الأشخاص للملح، لأنّ الملح يبقى محفوظا داخل أوراقها، ...ليست البطاطس وحدها التي يختبر زراعتها "مارك" وفريقه، بل هناك دراسة لمعرفة إمكانية زرع الجزر والفراولة والبصل وأنواع أخرى من الخضار والفواكه في المياه المالحة وفقًا لموقع فرانس 24.
وأخيرًا وليس آخرًا، فأن ما ذكر في المقال من معلومات واقعية وحقيقية كان منذ سنوات قليلة مستحيلاً، ولكن العلم دائمًا يثبت بأنه قادر على صناعة المستحيل، فهناك الكثير من الأشياء التي نستعملها بين أيدينا الآن، لم يكن البعض ليصدقها منذ عشرات السنوات مثل الجوال والتلفاز والاقمار الصناعية والانترنت، والكثير والكثير...ما أريد أن أقوله في النهاية أننا علينا الاستفادة من هذه الدراسات والأبحاث والمشاركة في إعدادها، لأنها قد تغير وجه المملكة، وإذا كانت هذه الزراعات ما زالت في مراحل التجارب، فعلينا البدأ في الزراعات سالفة الذكر التي تروى بماء البحر، والاستفادة منها في صناعة الأعلاف والزيوت والكثير من الصناعات الاخرى، ومن ثم التوسع في بقية الانواع الأخرى مع مجاراة العالم من حولنا بالاستمرار في الابحاث عن طريق الجامعات لدينا بفضل الله فيوجد بها الكثير من الكفاءات المطلعة والقوية والتي تستطيع ان تزيد من اعداد تنوع المحاصيل الزراعية الآنفة الذكر، وجمع هذا كله في إطار العمل على تنويع اقتصاد المملكة، بما يعود على هذا الوطن الحبيب بالخير الكثير، ويغنينا عن آفة الاستيراد التي نعتمد عليها في كل شيء.
الكاتب : أ.د محمد احمد بصنوي