طوق الحماية..
بقلم أ. أنس بن محمد الجعوان
مستشار تدريبي
قد تكون فكرتنا في الحياة حراسة أبنائنا وإبعادهم عن كل ما يغير أفكارهم ومعتقداتهم الدينية والسلوكية فتكون القاعدة منعهم من الخروج والاختلاط مع الغير ومراقبتهم عند استخدامهم للأجهزة  الإلكترونية أو التلفاز أو مواقع التواصل الاجتماعي  ، كل ذلك من أجل حمايتهم والخوف عليهم  حباً شديداً  فيهم ورحمة بهم .
مثل هذه الحماية المتمثلة في زراعة طوق من الحراسة بشكل شبه يومي تنتهي في يوم من الأيام مرغمين على ذلك بسبب تغيرات الحياة وانطلاق الأبناء للسعي في مجالات الحياة بداية بالدراسة والعمل وينتهي معها وجود الرقيب والحارس الشخصي على العقول والأجساد من قبل الوالدين أو أحدهما ويبدأ الابن من جديد للتعرف على كل الممنوعات وقد يحاول تجربتها والاستمرار فيها إذا أعجبه الحال ,  والسبب في ذلك أن المنع هو من يجعل بعض الأبناء يستخدم وسيلة الاستكشاف والتعرف على كل الممنوعات أو العناد وعمل كل ما هو ممنوع وقد يكون المنع فقط أمام الوالدين وما وراء ذلك فلا يوجد قيود محددة بل انفتاح من جميع النواحي وكثير ممن كان طوق الحماية ملازماً له في صغره أو بسبب وجود أب أو أم محافظين يتغير في كبره أو عندما تسمح له الفرصة وقد تكون شخصيته في الصغر ناقدة لكل من يفعل الممنوعات التي فرضها طوق الحماية المحب له وعندما تصبح لديه فرصة يفعل كل ما كان ينتقده  وبشدة ، وقد ينتج من وجود هذا الطوق شخصيات مكبوتة تتعامل مع الغير بأسلوب غير لائق بسبب ردة  فعل الابتعاد عن الغير وعدم التعلم أثناء المخالطة على أسلوب الحديث والرد المناسبين..
الحماية كانت جسدية أكبر من كونها فكرية وعقلية وعقائدية فالمنع يقابله أسباب وقد تحتاج هذه الأسباب إلى نقاش وتوعية وزرع قيم و مباديء وقدوة حسنة فالأبناء يطبقون مايرونه من والديهم والبيئة المحيطة بهم ولايحتاجون بكثرة إلى التنبيه والنصح بقدر مايحتاجونه فعلياً للقدوة الحسنة .
لذا زرع القيم والمباديء في الأبناء أهم من طوق الحماية المؤقت "فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"  فالتأثير من خلال التربية الفعلية  وغرس الرقابة الذاتية هي ماسيصاحبهم في كل حياتهم مما يجعل المنع ذاتياً بعيداً عن الرقابة الأبوية, فالخوف من الله رادع قوي لمن يخاف غضبه وعقابه والرغبة فيما عند الله يجعلهم يطلبون ذلك من خلال العبادة والدعاء والصدقة وغير ذلك فالخوف والرجاء أهم مايحتاجونه ..
طوق الحماية الحقيقي هو الحماية الإلهية الذي يتحقق بالدعاء لهم والتربية الحسنة وتقوية الوازع الديني من خلال زيادة الجرعة الإيمانية لهم بالبيئة المناسبة وما يرونه ويسمعونه في هذه البيئة  من روحانية وأخلاق تجعل الأبناء جزء لايتجزأ من بيت صالح متفاهم لايقلل الأب من الأم والعكس كذلك لأن التماسك بين الوالدين بالذات أمام الأبناء يخلق بيئة مريحة جداً للأبناء بعيداً عن الشقاق والمشاكل اليومية واللعن والشتم مما يجعل الأبناء يبحثون عن أول مخرج للهروب عن هذا الجحيم الذي لايطاق ..
لذلك طوق الحماية ليس طوق أجساد وحراسة مستمرة بل هو منظومة من القدوة الحسنة من الوالدين بدأت بحب وتفاهم واحترام واهتمام ليس من طرف واحد فقط بل من الطرفين ونشأ عن هذا الحب نشأة أبناء في حديقة مزهرة بالحب ونتيجة ذلك  شخصيات جميلة وتربية ناضجة بسبب أنها عاشت في هذه الطبيعة الرائعة وستكون الثمار يانعة بإذن الله ..
التربية الحقيقية تبدأ من اختيار الزوج لزوجته وموافقة الزوجة على زوج ، الرابط الحقيقي بينهم ليس فقط الزواج ولكنك كأب قد اخترت أماً لأولادك وكزوجة اخترت أباً لهم وهنا البذرة الحقيقية ولايعني عدم  وجود شهادات عليا أو مواصفات وظيفية التقليل من أحدهما ولكن عندما يقوم البيت على أساس الحب فلا يتجرع الأبناء شيئاً سواه . فالأساس هو بداية الطوق الحقيقي .