غربتْ علينا الشمس ونحن نقطف رؤوس الدخن في معمال الوادي١، هدوءٌ غطى المكان وسط الظلام، لم نسمع صوتًا للطيور؛ باستثناء بعض الصرير داخل الأحراش ونباح الكلاب تشهد على حضور الليل، قلتُ لحامل الزنبيل :هل امتلأ الزنبيل بعذوق الدخن؟ فأجابني بأنه قد امتلأ لكننا نريده ليلا فاتنا فلاضيرَ أنْ نضع فوق أُذُنَي الزنبيل بعض السنابل حتى يحلو السمر، تركنا المساحات الخضراء التي ارتدتْ لون السواد، كان يمشي إلى جواري وقد أدخلنا عصا في رأسيْ الزنبيل كي نتعاون على حمله، لم تكن الحقول تبتعد عن السكنى كثيرا، ألقينا العذوق الصفراء في فناء الدار، أحضرنا الحطب ثم وضعناه في تجويف حجري، وضعتُ أول عذقٍ ورفيقي يضرم النار حتى تغير لون الحبوب، قلتُ له : أول عذق من نصيبي، هَزأَ بي وقال : وأنا عليّ النفخ، قلتُ لاتهتم، اقتسمنا أول عذق، سرتْ رائحة الشَّويط نحو الجيران، أقبل الأقران على الرائحة ، قلتُ لهم : الذي يريد أن يَطعمَ عليه أن يضع السنابل على النار حتى تستوي ومن ساعد بالنفخ فله نصف العذق، بتْنا ليلتنا بين نافخٍ على الحطب وبين مقلِّبٍ للسنابل على النار، جمعْنا الحبوب في منسف مستدير وإلى جوارنا برّاد شايٍ مرّكز، أرادوا المغادرة فطلبتُ من آخر واحدٍ منهم يحمل عذقًا أن يجمع الأوراق الخضراء والسيقان ويضعها عند الغنم حتى تُصْبِح على وجبةِ إفطار، ضحكوا من قولي، امتثل للأمر، بقي في المنسف بعض الحبوب، اتفقنا على أن نتوزعه ونهديه لأهلنا، أشرقتِ الشمس على رائحة خضرة الوادي، أقبلتِ الطيور تتسابق نحو الحقل، صوتُ تغريدها يقول : جاء الدور علينا يا أهل الشويط، لكم المساء ولنا الصباح.
___________
شويط أو الشويط :هي وضع سنابل الدخن والحبوب لاتزال طرية على النار في عادة تاريخية متوارثة ومن ثم أكل الحبوب، وتندرج هذه العادة على سنابل الذرة أيضا.
١) المعمال : مساحات الأراضي الصالحة للزراعة في مصب الوادي.
الكاتب/ محمد الرياني