كان صباحًا جميلا، الشارع الطويل الممتد من الجنوب إلى الشمال كان رحبًا فلم يكن كعادته مزدحما بالسيارات، ترجلتُ في بدايته وخطوتُ خطواتٍ أنيقة مستعجلة نحو الشمال، الشمسُ لاتزال في بدايتها، قلةٌ هم الذين يمشون مثلي أو الذين استهواهم الصباح والطريق الفسيح، المحلُّ الذي أريد الابتياع منه أو الشيء الذي أريده لم أجده على امتداد الطريق، كنتُ أتلفتُ يمينًا وشمالاً بعناية حتى لا أبتعد كثيرا عن المكان الذي بدأت فيه المشي، بدأتْ حرارة الجو تظهر على مظهري الخارجي، رائحة العطر الذي غطى سائر جسدي تغيرتْ بفعل سطور الشمس الحامية، أخيرًا وجدتُ المحل الذي أريده، لم يطلْ بقائي فيه؛ فهناك من ينتظرني، المشيُ أخذ كثيرًا من وقتي ومع هذا كنتُ مستمتعا، في طريق العودة اتخذتُ من الرصيف الأيسر خطًا نحو البداية، كنتُ أتأمل اللوحات وأقرأها أكثر من قبل، استوقفني محل مميز للعطور، وجدتني داخله، وضعتُ يدي على جيبي لأتحسس مكان المحفظة، ياله من إحراج، تذكرتُ أني تركتها في السيارة، قلتُ للبائع : جئتُ لآخذ عطرا بالمجان، نظر بضحك واستغراب، شرحتُ له الموقف، قلتُ له رشّ عليّ من العطر الجيد الذي لديك وأَعدكَ أن أشتريه في أقرب فرصة، كان كريما ونبيلا، منحني عطرًا وأنا أكرر وعدي بأن أزور المحل في المرة القادمة لأشتري هذا العطر، أردتُ أن أغيّر رائحة الشمس والخطوات، شكرته ثم غادرت، لسان حال الذين قابلتهم يسأل عن رائحة العطر الفواح ومن أين اشتريته؟ الطريق جمعني بزميل قديم طلب مني بعد السؤال عن الصحة والحال :سأسألك وأنا في غاية الحرج، مااسم هذا العطر الذي يتضوع منك، بادرته بالجواب، اذهبْ إلى ذاك المحل وأشرت إليه، قل لصاحبه أريد من عطرِ الذي مرَّ عليك قبل قليل، شكرني وطلب مني رقم هاتفي النقال ليبقى التواصل وهو يلوح بيده، أدرتُ محرك السيارة وهممت بالمغادرة، رنّ الهاتف، كان المتصل هو صاحب العطر من جوال صديقي القديم، شكرني على أن أكسبته زبونا، كرّرَ دعوته لزيارة المحل، اتجهتُ إليه بسرعة لأشتري العطر نفسه، اعتذرَ مني بصدق قائلا : كانت آخر زجاجة وقد أخذها صاحبك، لقد كنتَ وفيًّا معي حتى لو لم تكن ذهبتْ زجاجة العطر لك، هكذا قال لي، ابتسمتُ من هذا الموقف وأنا أشم ظَهرَ كفّي الأيمن، كنتُ أنظر إلى المحفظة التي نسيتها بحسرة.
الكاتب/ محمد الرياني