قالت أهلاً وسهلاً، زرتُها مبتسما كعادتي، لم تدم طويلا بعد استقبالها لي، تركتني بعد ترحيبها واختفت، وقت اختفائها كنتُ أقلّب بصري في غرفتها البسيطة ذات الألوان المتناسقة، لون المزارع، ألوان الجبال، سطح التربة، وجوه الماضي، سرحتُ بخيالي كثيرا وأنا أتأمل فناجين القهوة الخزفية وهي تتدلى في عرض الغرفة، أكواس الشاي وهي تصطف كقطع البرَد بلونها الزجاجي على رفٍّ اقتُطع من الجدار، سجادتها من سعف النخيل وهي مطوية بشكل اسطواني في الزاوية الشمالية، كان الهواء النقي كنقاء سيرتها يدخل عليّ تارة من الباب الغربي وأخرى من الباب الشمالي، رائحة احتراقٍ ليستْ غريبة اخترقتْ حاجز تفكيري، قلتُ في داخلي : يبدو أنها قادمة، هذا الغياب تخفي وراءه شيئا، أقبلتْ تبتسم وهي معتذرة، تأخرتُ عليك كثيرا، رددتُ على ابتسامتها بابتسامة وأنا واقف أتعجب! أحضرتْ فناجين القهوة المعلقة، طلبتْ مني أن أحضر أكواس الشاي المصفوفة، وضعتْ هي الفناجين ووضعتُ معها الكؤوس، قالتْ: ماذا تحب أن تشرب أولا؟ تراجعتْ عن سؤالها، لديّ خبز تناسبه القهوة هكذا أظن، قلتُ لها كما تريدين، صبَّتِ القهوة، تناولنا قطعًا من خبز التنور، ظلتْ تسألني عن كل شيء تركتُه ورائي عند زيارتها، اطمأنتْ أننا على مايرام، أرادتْ أنْ تصبَّ الشاي فاعتذرتُ لأنني أخذتُ كفايتي، استأذنتها في المغادرة، ودعتُها وأنا لا أزال أتأمل غرفتها ووجهها الأصيل، أرسلتْ معي سلامًا كثيرا، أخذتْ زنبيلا قديمًا ووضعتْ فيه أقراص الخبز التي سلمتْ من أيدينا، قالت :هذا الخبز لكم، تقبلتُ الهدية وأنا أبتسم وأتعجب من صنيعها ووفائها، عندما وصلت، قالوا لي: هذا خبز فلانة، كأنك زرتها، وضعوه على مفرش بالأرض، جلستُ معهم كي أحدثهم عن صاحبة الخبز ولاتزال صورتها وألوان غرفتها مرسومة في عيني.
الكاتب/ محمد الرياني