التهديد الأكبر لصحة عصب الأسنان .
الكاتب / د. بدر عبدالله الغیثي
دكتوراة اكلينيكية وطبيب استشاري في علاج وجراحة عصب وجذور الأسنان .
يتكون سن الإنسان من أربعة طبقات أساسية، هي المينا والعاج والعصب والملاط، ويتواجد عصب الأسنان في الطبقة الثالثة داخل السن.
فما هي أهمية هذه الطبقات وما هي الأمور التي تؤثر على صحة عصب الأسنان؟
تفصيل عن طبقات الأسنان
يبدأ تكوين الأسنان بالطبقة الخارجية وهي المينا، وتتميز بصلابتها العالية التي تساعد في حماية السن من العوامل المختلفة كالتسوس والضغط المتكرر الناتج عن المضغ وتعطي السن البياض الناصع، فأي شرخ أو ثقب بهذه الطبقة يؤدي إلى تسلل البكتيريا المسببة للتسوس وانتشارها في الطبقة التالية التي تقع أسفلها، العاج.
تأتي طبقة العاج بعد المينا، وهي المركز الحسي المسؤول عن نقل الشعور بدرجات الحرارة المختلفة، إضافة إلى احتوائها على الخلايا المسؤولة عن إعادة تكوين ما يتم فقدانه من تلك الطبقة نتيجة تسوس أو تصدعات بالمينا تتسرب من خلالها البكتيريا إلى داخل الأسنان وصولاً للعصب.
كل ذلك يتم لحماية مركز السن والمسؤول عن التغذية والإمداد بالخلايا الازمة، والطبقة الموجودة بعد العاج، العصب.
أما الطبقة الرابعة والأخيرة، وهي الملاط، فهي الطبقة المتواجدة على السطح الخارجي لجذر السن لحمايته من العوامل المحيطة به، والذي يتصل بالأربطة اللثوية المتواجدة في عظام الفكين لتثبيت السن في موضعه.
ما هو عصب السن؟
عصب السن يتكون من خلايا عديدة تتواجد في غرفة بها قنوات وتفرعات معزولة عن الفم لمنع دخول البكتيريا الإنتهازية المتواجدة في اللعاب.
هذه البكتيريا تقدر بحوالي ألف نوع مختلف، يصل عددها إلى مئة ألف بكتيريا تعيش على سطح الأسنان، لدى الشخص الذي يعتني بنظافة فمه جيدا، وبين مئة مليون إلى بليون بكتيريا لدى أولئك الذين لا يولون العناية الكاملة لتنظيف أسنانهم.
ومن هنا تأتي أهمية عزل القنوات العصبية عن هذه البيئة الخصبة، والتي عند اختراقها لسبب أو لآخر من تسوس أو كسر وتصدعات بالسن نتيجة رضوض أو صدمات، تؤدي إلى وصول البكتيريا للعصب مسببة إلتهابه، لتكون النتيجة البدء بتحلله.
ينتج عن تحلل العصب تكون بيئة مناسبة لمعيشة وتكاثر البكتيريا داخل السن مكانه، ومن ثم انتشارها إلى خارج القنوات العصبية في عظام الفك، والذي يؤدي حينها إلى تكون خراج ينتج عنه ألم شديد تختلف حدته من شخص إلى آخر بحسب مرحلة إنتشار وتوسع الخراج في العظم .
إصابة عصب السن :
عندما یحدث ذلك، فإن الحل الأمثل ھو علاج عصب الأسنان بإزالته وتعقیم القنوات العصبیة التي كانت تحتوي على حزمة أعصاب السن، وذلك للتخلص من المیكروبات التي تواجدت داخل الفراغ الذي كان مليئا بالخلايا الحیة التي تغذي السن.
الجدیر بالذكر أن جسم الإنسان كاملا لا يحتوي على أي فراغات بداخله، أي بمعنى لا تتواجد جزئية إلا وتحتوي على خلایا أو سوائل أو حتى محملة بالھواء كالحویصلات الھوائیة بالرئتین دون وجود فجوات فارغة بالجسم.
لذلك تصبح ھذه البیئة الفارغة داخل القنوات العصبیة مناسبة لالتصاق وانقسام وتكاثر مختلف الميكروبات مكونة بذلك مجتمعات خصبة تعرف بـ "Biofilm "بعد تحلل العصب واختفاء محتواه الخلوي الذي یمد السن بالخلایا الدفاعیة اللازمة.
علاج إصابة عصب السن
عادة لا یتطلب إستخدام المضادات الحیویة في علاج العصب لانعدام تأثیرھا وصعوبة وصول مفعولھا للمیكروبات داخل القنوات العصبیة التي لا تحتوي على خلایا تسھم في نقل المركب الدوائي إلیھا.
یستثنى من ذلك حالات الالتھابات الحادة التي بدأت بالتفشي من داخل القنوات العصبیة إلى خارجھا في منطقة العظم المحیطة بجذر السن، مسببة بذلك بعض الآثار الجانبية من مضاعفات جسدية كالحمى وارتفاع في درجة حرارة الجسم، أو من تورم وانتفاخ في اللثة وتكوُّن الصدید وانتشاره إلى التجاويف المحيطة بمجرى التنفس القصبة الهوائية، حيث تعتبر تلك حالة طارئة قد تؤدي إلى انسداد مجرى التنفس وتستدعي التدخل المباشر لتصريف الصديد وربما التنويم بالمستشفى مع حقن المضادات الحيوية عبر الوريد للتأكد من سلامة المريض.
يكون في هذه الحالة الخضوع لعلاج العصب ضرورياً، وذلك بعد تناول المضاد الحیوي، والتحكم بالعوارض، لیتم تعقیم ھذه القنوات وحشوھا وعزلھا لضمان عدم إعادة تواجد المیكروبات بداخلھا.
ومن الواجب أخذ استشارة الطبیب قبل تناول المضاد الحیوي لمعرفة نوعية الدواء اللازم أخذه حسب نوع الالتھاب وضرورة أخذه من عدمه.
حيث أن كثرة استخدام المضادات الحیویة للأسباب غیر الصحیحة تؤدي إلى ضعف في المناعة، مما یجعل المریض لقمة سائغة لمختلف الميكروبات، إضافة لظھور میكروبات أكثر مقاومة تستدعي نوعا أقوى من المضادات الحیویة.
الجدیر بالذكر أن الدراسات أشارت بأن استخدام المضادات الحیویة لیس له تأثیر لتخفیف ألم الأسنان، بینما المسكنات غیر الاستیرویدیة المضادة للالتھابات "NSAID "ھي أفضل طریقة لذلك.
وفي دراسة علمية أجريت على فئران معقمة خالية من البكتيريا بهدف بحث دورها في التهابات العصب بالأسنان، وجدت بعد أن تم فتح السّن وكشف العصب وتعرُّضه للعابھا ما يلي:
الفئران العادیة غیر المعقمة تحلل العصب لديها بشكل كامل وانتشر الإلتھاب إلى المنطقة المحیطة بجذر السن إضافة إلى تكون تجمعات صدیدیة،
بینما في الفئران المعقمة لم یتم حدوث أي تغیرات باثولوجیة بالأسنان المكشوف عصبها، كإلتھاب العصب أو التجمعات الصدیدیة، بل وبعد مضي الیوم الرابع عشر من التجربة، بدأ تكوُّن طبقة من العاج لحمایة العصب المكشوف بغض النظر عن عمق الفجوة المكشوفة بالسّن، لتعطي بذلك مؤشراً واضحا على أھمیة الدور الذي تلعبه البكتیریا كالعامل الرئيسي المحدد لعملیة تعافي وتحلل العصب.
نصائح هامة للحفاظ على عصب الأسنان
من الضروري اتباع النصائح التالية للحفاظ على صحة وسلامة عصب الأسنان:
الحفاظ على الأسنان وتنظيفها بشكل مستمر بالفرشاة والمعجون الذي يحتوي على الفلورايد لضمان عدم تجمع الطعام حول الأسنان.
استخدام الوسائل الأخرى المساعدة كغسول الفم والخیط السني للتنظیف ما بین الأسنان لضمان بقاء عدد المیكروبات في الفم بأقل نسبة.
ضرورة مراجعة وزیارة طبیب الأسنان بشكل دوري لإجراء الفحوصات الطبیة اللازمة واكتشاف أي علامات للتسوس قبل انتشاره داخل طبقات الأسنان المختلفة وصولاً الى العصب وحدوث الالتھابات الناتجة عن ذلك ومضاعفاته، حتى وإن لم تكن تشعر بآلام في أسنانك، ويحدد لاحقا طبيب الأسنان عدد مرات المراجعة التي تحتاجها حسب صحة فمك وأسنانك، ففي حال كانت صحتك الفموية جيدة فقد لا تحتاج لأكثر من مراجعة واحدة كل سنتين.
الحرص على تنظيف الأسنان بشكل إضافي بعد تناول السكريات كالحلويات، الكربوهيدرات كالرز، الأحماض كالليمون والمشروبات الغازية، وذلك لتجنب آثارها المدمرة على الأسنان، ويمكنك على الأقل عمل ذلك عن طريق المضمضة بالماء في حال كنت خارج المنزل.
هناك اعتقاد شائع بأن السكريات من حلويات ونحوه هي فقط ما يسبب التسوس، بينما في واقع الأمر يتم تجاهل تنظيف الأسنان بعد تناول الكربوهيدرات مثل الرز ونحوه، والتي تتحلل في الفم مع الانزيمات المتواجدة في اللعاب إلى سكريات، تؤدي إلى التسوس.
لبس حاميات الفم والأسنان من قبل الذين يمارسون الرياضات التي يتعرض لاعبوها لاحتكاكات وضربات عنيفة مثل الملاكمة وركوب الدراجات، والتي قد تضر بعصب الأسنان في حال تعرض السن للكدمات.
وأخيراَ، ينتشر بين الأطفال ما يعرف "بتسوس رضّاعة الحليب" وهو ما يحدث بسبب تلقي الطفل لرضّاعة الحليب وقت نومه، حيث ينام الطفل وفي فمه الحليب دون غسله عن سطح الأسنان ما يتسبب بتجمع البكتيريا عليها واضعةً أحماضها مسببةً تسوسها. فلذلك ينصح بتفريش أسنان الطفل قبل ذهابه للنوم مباشرةً وفي حال نومه أثناء الرضاعة فبالإمكان المسح على سطح الأسنان بقطعة شاش مبللة بالماء لإزالة رواسب الحليب من عليها وتجنب حدوث التسوس.