مسافة آمنة .
الكاتبة / د.هدى المعاش
إنّ من أعظم نعم الله على البشر قدرتهم على التعايش، والتكيف، وخلق مساحات فكرية، وعاطفية، واجتماعية مشتركة، وهي من العلل التي خلق الله الخلق لأجل تحقيقها قال تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) الحجرات: 13
ولضمان جودة تلك العلاقات واستمراريتها كان لابد من إيجاد مسافة آمنة في العلاقات الإنسانية ؛ لدوام الود واستمرارية العلاقة في نسق صحي وإيجابي ؛ فالعلاقات خُلقت ؛ لتحقيق الإنس والمشاعر الإيجابية ولكن في الواقع نجد إنّ بعض العلاقات الإنسانية سبب في الاضطرابات النفسية وهي ما يُسمى اليوم بالـعلاقات السامة أو (توكسيك) ، وهو من المصطلحات المتداولة بكثرة على منصات التواصل الاجتماعي، ولكن ما الذي يوصل العلاقة بين شخصين إلى هذا المنزلق الخطر هل هو اختراق المسافة الأمنة بين الأشخاص يوصل إلى هذه النتيجة أم الاقتراب المُبالغ فيه يجعل المرء يُبصر عيوب ونقاط ضعف الآخر ؟
تظهر هذه المشكلات في العادة في العلاقات الطويلة الممتدة إلى عشرات السنين ، وهي التي تتقلص فيها المسافة بين الأشخاص للوصول إلى درجة التكاشف ، وهنا تتجلى مشكلات من نوع خاص يصل فيها المرء إلى درجة التشكيك في نوايا الطرف الأخر ، وعدم السماح له بمساحة خصوصية طبيعية ، واعتبار تلك المساحة تهديد صريح ، وتغير من الطرف الآخر .
إنّ وضع مسافة آمنة منذ البداية يجنبنا الوقوع في ويلات العلاقات السامة ، وخلق مساحة من الخصوصية في العلاقات ، وتفهم ذلك ، وعدم اعتبارها فجوات بين الشركاء أو الأصدقاء والأهل بل خلق مساحة خصوصية تضمن استمرارية الود ، وإتقان ما يُسمى بالتقارب المدروس أو ما يعبر عنه بذكاء المسافات إذ تَعرِف متى تبتعد ، ومتى تكون قريباً، ونعني به القرب من الآخر بذكاء دون اختراق المسافة الآمنة، وهو ما يسمى بتقارب القنافذ حيث يُحكى أنه كان هناك مجموعة من القنافذ تعاني البرد الشديد ؛ فاقتربت من بعضها ، وتلاصقت طمعاً في شيء من الدفء لكن أشواكها المدببة آذتها ؛ فابتعدت عن بعضها ؛ فأوجعها البرد القارص ؛ فاحتارت ما بين ألم الشوك والتلاصق ، وعذاب البرد بحيث يتحقق الدفء والأمان مع أقل قدر من الألم ووخز الأشواك ..فاقتربت لكنها لم تقترب الإقتراب المؤلم ..وابتعدت لكنها لم تبتعد الإبتعاد الذي يحطم أمنها وراحتها .. هكذا العلاقات تحتاج إلى تقارب مدروس لا يحطم أمان الروح ويحمي من وخز التدخل في خصوصية الآخرين مهما اقتربت العلاقة .