كتاب أمام بوابة الصعود للطائرة
الكاتب :عبدالعزيز الجاسم
لن يكون غريباً لو شاهدتَ شخصاً يقرأ في كتاب، بغضّ النظر عن مكان وجوده، أحياناً تراه منزوٍ في مقهى، أو متكئٍ على كرسي في حديقة، وربما تراه مفترشاً الأرض أمام شاطئ البحر يتأمل مستغرقاً في قراءة نتاج أحد المبدعين، فِعْلُ القراءة بحد ذاته استثمارٌ للوقت وتنميةٌ للعقل وإثراءٌ للفكر حين الإحساس بوجود فجوةٍ بين الواقع المُعاش والزمن المُنفَق، اشتغالٌ يُضيفُ لحياتنا نكهةً جميلةً لا تخلو من المتعة والإضافة المعرفية التراكمية، هذا الاشتغال الذي يبحث عنه أحدُنا حينما ينوي السفر إلى وجهةٍ ما ويضطر للانتظار ساعة على أقل تقدير أمام بوابة الصعود إلى الطائرة، لن أتحدث عن الرحلات ذات الوقفات القصيرة والطويلة، بل دعونا نضرب الرحلات المباشرة كمثال، جميع من سافروا بالطائرة قد تعرضوا لهكذا موقف، فبعد إنهاء إجراءات السفر التي تُلزِمُ المسافرَ بالحضور إلى المطار قبل الإقلاع بساعةٍ على الأقل؛ نجدُ من الفراغ ما نحاول شغله إما بكوب قهوةٍ أو شاي، أو تصفّح أجهزتنا المحمولة للاطلاع على بعض الأخبار أو فحص الحجوزات التي قمنا بها للاستفادة منها في جهة الوصول، لكن كم منّا قعد في سكينةٍ يقرأ كتابا؟
خلال رحلاتي الكثيرة، الداخلية منها والخارجية، قلّما وجدتُ من يُمسكُ بكتابٍ بين يديه، وربما أن تنوع الأجهزة المحمولة اليوم وكثرتها ساهمت في تقليص فعل القراءة من الكتب المطبوعة لتحتل الأولى مكانها في وقت الانتظار، لكن هذا لا يعني انتفاء وجود ذلك القارئ الذي ارتسَمَتْ على ملامحه تفاصيل عميقة تشي عن وجود كتابٍ مهم بين يديه، كتاب قد يكون أسرع من الطائرة التي ينتظرها وقد سافر به للبعيد رغم وجود جسده في تلك الصالة الكبيرة وبين جموع الناس المنتظِرين، ذلك القارئ الذي حفّز في ذهني فكرةً تحولت مع الوقت لعادةٍ أقوم بها كلما أتممتُ إجراءات السفر لأي وجهةٍ وقعدت منتظراً الطائرة أمام بوابة الصعود، هذه الفكرة تجسّدتْ في حمل كتابٍ مما منّ الله عليّ بطباعته لأزيّنه بإهداءٍ عام لمن سيحمله، اهداء ينصّ غالباً على أن "هذا الكتاب الذي بين يديك مُلكٌ لك منذ وقوع نظرك على هذه الكلمات، فاعتنِ به وأعطه حقّه من القراءة، ولعل ما جمعك بهذا الكتاب اليوم يجعلني أسمع رأيك فيه قريبا"، بهكذا عباراتٍ أختم هديتي لمن سيلتقط الكتاب آملاً أن أكون قد أسهمتُ في دعم ثقافة القراءة، وأن من سيحمل هذا الكتاب سيكون مهتماً به بلا شك.
الجميل في الأمر أنني تلقيتُ قراءات راجعة فعلاً من القراء الذين حصلوا على هداياي، بعضهم استبق القراءة بالشكر على هذا الإهداء القيّم ووعدني بقراءته والمحافظة عليه، وبعضهم انتظرَ طويلاً لينتهي من القراءة قبل أن يتواصل معي عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي ليناقشني فيما كتبت، ويُبدي وجهة نظره حول تفاصيل تبهجني مناقشتها معه، والأجمل من كل هذا أنني تيقّنت بصورةٍ غير قابلةٍ للشك من وجود القراء الجادين المهتمين بفعل القراءة، والباحثين عن المعلومة بالإضافة للمتعة القرائية، ذلك البحث الذي يُلهمني ككاتبٍ ويزيد من إصراري على تقديم الأفضل في كل مرةٍ أنوي أن أبدأ فيها مشروع كتابةٍ جديد يكون أملي فيه كبيراً ورغبتي في مشاركة عقلي مع الآخرين من خلاله هدفاً يشكل مبدأً لا أتخلى عنه أبدا..
رغبةٌ تزيد من إصراري على حمل الكتاب معي كلما نويت السفر لأتركه على الكرسي أمام بوابة الصعود إلى الطائرة بانتظار من يلتقطه، فلتنتبه عزيزي القارئ لذلك الكرسي، فربما أكون قد مررتُ من خلال بوابة انتظارك للطائرة قبل قليل..