انتهاك حقوق الملكية الفكرية.. "تغريبة القافر" أنموذجا..
الكاتب: عبدالعزيز الجاسم
أثناء تصفّحي لخبر فوز رواية "تغريبة القافر" للروائي العماني زهران القاسمي والصادرة عن دار مسكلياني للنشر والتوزيع؛ صُدِمتُ بمَن شمّر عن ساعديه وبدأ بنشر ملف الرواية بصيغة PDF، وذلك كي يطّلع المثقفون في هذه المجموعة وتلك على تفاصيل هذا العمل الحاصل على الجائزة، استذكرتُ حينها كتابتي لمقال (عندك نسخة PDF؟) والذي أودعتُه كتابي الأخير "وجهة قلم"، ذلك المقال الذي تحدثت فيه بإسهابٍ نوعاً ما عن حقوق الكاتب في عمله وأن القارئ لا يملك الحقّ المُطلَق في النتاج المنشور حتى وإن دفع قيمة أوراقه، كما تحدثت عن حقوق الملكية الفكرية وأشرتُ إلى أنه من المحظور قانوناً أن يقوم أيّ شخصٍ بنشر نتاجِ غيرِه في أيّ وسيلةٍ تُتيح له ذلك إلا بموافقة خطيّةٍ من صاحب أو أصحاب تلك الملكية الفكرية، لكني ومع الأسف ربما كنت أتحدث إلى خُشُبٍ مُسنّدة..
القراءة حقٌ مشروعٌ لكل قارئٍ يسعى لتنمية حصيلته الفكرية، كما أن التفاعل معها يحتاج لوجود رغبةٍ شخصيةٍ من القارئ نفسه وبذل الجهد والسعي لتوسعة مداركه والحصول على المعلومة من خلال القراءة، إلا أن مجتمعنا العربي ولا أستثني منه من يسمون أنفسهم -النخبة- لا يسعون، أو فلنقل لا يسعى كثيرٌ منهم للحصول على المعلومة، وإنما يرغب الكثير من القراء في وصول المعلومة إلى طاولة قراءتهم بأسهل الطرق وبشكل مجاني، في ذات الوقت الذي يتحدّث أغلبهم عن رحلة الكوفيّ إلى يثرب قاطعاً الفيافي على راحلته للحصول على إجابةٍ لتساؤلٍ عن حكمٍ شرعي في عصر صدر الإسلام..
ذلك الكوفيّ الذي لم أرَ دلالةً على وجوده خلال ما حصل ليلة الإثنين بعد إصدار نتائج فوز رواية "تغريبة القافر" بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، حيث بدأ كثير من المثقفين بإرسال ملف الرواية بصيغة PDF وذلك لتتمكن -النخبة- من قراءتها والاطلاع عليها مجانا، وربما التنظير حولها ونقدها واستعراض العضلات والمفردات عليها مستقبلاً.
إن ما حصل من نشر لذلك الملف أمرٌ محظورٌ قانوناً - في حين تشدّق أحدهم وقال بأن فلاناً من رجال الدين لا يمانعه بحجّة نشر العلم- إلا أنه ومن حقّ الكاتب أو دار مسكلياني مثلا مقاضاة من أرسل ويُرسل ذلك الملف للنتاج محميّ الحقوق الفكرية..
هذا التصرف الذي انتشر وينتشر في مجموعات النُّخب يُعبِّر عن أنانيةٍ عظمى لدى المثقف العربي النخبوي، فهو لن يقبل أن يتمّ توزيع نتاجه الشخصي مثلاً -وبأي صورةٍ من الصور- دون أخذ الإذن منه، وسيوعز مبرّراً كونه تكبّدَ العناءَ في كتابته والجهد في السعي لطباعته والمال الكثير لنشره، بل إنه سيطالب بقية -النخبة- أن يدعموه بشراء نتاجه والاطلاع على عقله الذي اعتصره على الورق، في حين ينشر هو ملف رواية تباع على أرفف المكتبات بعد أن بذل فيها كاتبها -الذي لا يزال على قيد الحياة- ذات البذل وسعى إليها ذات السعي وتكبّد العناء لتصل إلى طاولة القراءة بثمنٍ بخسٍ استكثره هذا المثقف أو ذاك، فقام -دون وعيٍ- بنشره بصورةٍ إلكترونية ليحصل عليها القارئ المثقف مجاناً بنية دعم الثقافة العامة -كما هو الزعم-، ويرى أن ذلك من حقه كمثقف كما هو حقّ كل قارئ نخبوي يوازيه أو يرتفع عنه شأنا.. وهذا مما يُجحِف الحركة الكتابية في العالم العربي ويضرّ بالكاتب أينما كان..
نعم، من حق القارئ أياً كان ما يُطلقه على نفسه أن يطّلع ويُنظّر ويبدي رأيه الانطباعي ويستعرض عضلاته حول ما يقرأه، لكن حبذا ألا ينسى أنّ عليه أنْ يؤدي واجبَه تجاه ما قام بقراءته، إنْ لم يكن بدعمه وشكر مَن قام بكتابته فعلى أقلّ تقديرٍ احترامه وعدم انتهاك ملكيته الفكرية..