رسالة لن تصل
الكاتبة: رغد المرشدي
كدتُ أشرع بقول - صباحي أنتِ - لولا أن صاحت أقطاب الأرض مذكرتني بغيابك، آهٍ من ذاكرتي الضئيلة ما أسرع نسيانها! كيف لي أن أنسى أن لياليَّ لم تعد تزدان بوجودك؟
* حاشية: كنتِ دائمة التذمر أن النسيان يتمكن منكِ بيُسر -كسهولة مكوث السعادة في قلبي بكلمةٍ منك-، تتذمرين دومًا من مدى الكسل الذي أصبحت به ذاكرتك وتخشين أن الزهايمر قد اقترب منكِ بنبرةٍ تهكمية وأنا في لحظتها أدعو الله بنبرةٍ تزحف من شدة ثقل الرجاء الذي تحمله في أن يمدّك من عنده بعافيةٍ تكتسينها طوال الحياة *..
على كل حال ذات يوم قطعتِ وعدًا بأنكِ ستعتبرين كل صباح يأتي قد استقبل لفظ تحية الصباح مني حتى وإن لم أنطق بها فلذلك أعبر هذا الجزء.. أحادثك الآن في الزمن الذي كان يحتضن أحاديثنا التي تجهل النهاية، ومحاولات إثارتي لغضبك التي تؤول إلى حظرك لي والغائه بعد فترة وجيزة بقولك أن قلبك لا يقوى على صدّي، مناولتي القصائد لكِ، مزاحنا تارة والخوض في جدية الأحاديث تارة أخرى، ضجرك المستمر في الشتاء من درجات الحرارة الدونية، إطلاعك على محاولاتي البائسة للرسم على القهوة وقولكِ بأنكِ أول زبائني في حال أصبحت قهوتي ذات صيت، الكثير من الأشياء لن تكفيني ملايين الأسطر لكتابتها ولكنكِ تعلميها، (بالطبع في حال لم ينقض عليها وحش النسيان القاطن في ذاكرتك)..
أكتب لكِ الآن بالرغم من معرفتي بأنكِ لن تقرئيها، أكتبُ وآمل أن تتمكني من قراءتها ولو عبورًا كإعلانٍ معلّق على اللوحة المجاورة لمنزلك، يا كم أود محادثتك هذه الليلة، لأقول لك أن كاهلي مُثقل، وأني أردف الخُطى بعجز، وأن سواد هذه الآفاق تسلل لداخلي وكسف شمسي ودفن جميع زهور الأمل، أن أعبّر لك عن مرارة الخيبة التي تجرعتها من قِبل مَن أحبهم، أن أذرفَ كلماتي لا دموعي في مدى رغبتي بالتخلص من شعوري بالذنب من كل شيء يحدث، وأنّي تعبت المحاولة مع الحياة والأشخاص الذين لا يساعدوني البتة، أن أسمح لأسناني أن ترتجف رهبةً وأذِنُ لبدني بالاقشعرار دون محاولتي في اخفائهم ومواراة ضعفي وهزلي، وأصرّح أني خائفة، وأن الحياة تُهيبني ولا أقواها..
بالرغم من كثرة الأحاديث التي أود قولها لك لكن هل تعلمين ماذا قال لي طبيبي معاتبًا غاضبًا من نتائج تحاليلي التي لا تفارق الانخفاض؟ "ليه هذا حالك وأنتِ في خضم زهرة شبابك" لم أجيبه، ماذا أقول؟ كيف أقول؟ أن خُطاي تعرقلت المسير مذ بداية السباق، أو أنني أخطأتُ مساري في الركض وأني سقطتُ وعاودت النهوض مرارًا وتكرارًا بالرغم من انعدام الرؤية أمامي، قدماي العالقة في الوحل، الرياح التي تعيدني أدراجي، صافرات الاستهجان المساورة لي من كل حدب بأني لن أصل ولن أكمل، ولكني كنت أستشعر معية الله معي دومًا وأستمد وقودي بها، وأؤمن بلطفه وانبثاق ضوء آخر النفق، تعبتُ المسير، وتلقفني اليأس مرات عدة وأوشكت على رفع الراية البيضاء لا أكذب ولا أدّعي القوة، ولكن شيءٌ كامن بداخلي يأبى الاستسلام، إن سردتُ حكايتي للطبيب الغاضب على زهرة شبابي التي اقتلعتها رياح الظروف ماذا ستكون ردة فعله؟ لوهلة تراءى أمامي، سينفكُ ضاحكًا متسائلًا عن الظروف التي جابهتها في سنّي الصغير هذا
لا أكتب لكِ الآن قاصدةً استعطافك لا حاشى فإني أبغض أن ينظر لي أحد أني شخص ضعيف وعاجز، أكتب لأني لا أستطيع الافصاح عمّا يختلج بداخلي لأحد -وأنتِ لستِ أيُ أحد-لكن في ليلةٍ كهذه حينما هاجمني البؤس وأنا مُعدمة الذخيرة هرعت فورًا للكتابة لكِ رغم ادراكي بعدم قراءتك لها
أتساءل، ياترى هل تمكنتِ ممّا يؤرق مضجعك وأنك نائمة الآن؟ أم أنكِ في صالةِ منزلك خافتة الانارة تحتسين قهوتك المفضلة -اللاتيه- وتلتقطين لها صورة وتنتقين عبارة تتكفل بشرح شعورك وتضعيها بزاوية مناسبة كما عقّبتُ وأخبرتك؟
على أي حال، أرجو أنك تنعمين بكل طيّب..
وآمل أن أتخلّص أنا من عدوانيتي مع ذاتي ونصبح على وفاق، وأن يضعني الإله في المكان الخيّر لي
إلى اللقاء في رسالةٍ أخرى لن تمرّ ناظريك.