رُبَّ ضارةٍ نافعة
بقلم/ مضيفة الجحدلي
كان بلا هدف وكانت أيامه تمضي تباعًا دون إنجازات، وكان همه الوحيد هو قضاء أوقات ممتعة برفقة أصدقائه ممن هم على شاكلته.
فيخرج من بيته مساءً ولا يعود إلا إذا رأى خيوط الفجر ممتدة.
دراسته كانت آخر اهتماماته فهو يريد أن يعيش حياته بطولها وعرضها كما كان يقول.
وفي إحدى الليالي التي لا تُنسى، وفي طريق عودته إلى منزله الذي لم يكن يمثل له سوى ذلك السرير الذي يأوي إليه بعد انقضاء يومه الطويل، حدث مالم يكن في الحسبان..
لقد أحس بنعاسٍ شديد أخذ يسيطر عليه شيئًا فشيئًا حتى تمكن منه فأسقط رأسه على إحدى كتفيه، ولم يستيقظ إلا وهو محاط بتلك الأجهزة التي تُصدر أصواتًا كل ثانية أو ثانيتين، وأنابيب المحاليل متصلة بإحكام بأوردته لتنقل كل ما هو بحاجته من غذاء ومسكنات للآلام، أخذه البكاء لعدة دقائق فسمع صوت والده ووالدته فشعر بارتياح وطمأنينة وأخذ ينظر إليهما كالطفل الصغير الذي بحاجة للحب والحنان، وكانا والديه يبادلانه بنظرات تحمل كمًا هائلًا من ذلك الحب والحنان الذي ينشده.
لقد أصيب صاحبنا بكسرٍ في الحوض وسيستغرق شفاءه عدة أشهر وعليه أن يقضي هذه المدة في المنزل، إنها لكارثة بالنسبة له ولكن هذا ما حصل وعليه أن يرضخ للأمر الواقع.
مر الأسبوع الأول بسرعة ولم يشعر به حيث كانت تتوالى عليه الزيارات من الأهل والأصدقاء، وبدأ الأسبوع الثاني فأخذ يشعر بالملل فلم يأتِ أحدٌ لزيارته.
ألحت عليه أمه بأن يستلقي في غرفة المعيشة حتى لا يشعر بالوحدة فأخذ بنصيحتها وبدأ يتأمل حياة أفراد أسرته، أحاديثهم، ضحكاتهم وحتى تلك المقالب البريئة التي يقومون بها تجاه بعضهم البعض.
أصبح يساعد إخوته الصغار في حل واجباتهم المدرسية، وكان يرسم لهم في كراسات الرسم فانبهر من رسوماته لقد كانت رائعة وهو لم يكن يعلم بأنه يمتلك تلك الهواية الجميلة، والتي كانت تحت أنقاض الهجر وطيات النسيان.
صار يرسم يوميًا ليقضي وقت فراغه وسط دهشة أسرته من جمال رسوماته، عرف حينها بأنه يمتلك أنامل ذهبية لا يستهان بها.
أما بالنسبة لأصدقائه فلم يرَ أي أحدٍ منهم منذ شهر تقريبًا.
لكنه شعر بأنه ليس بحاجةٍ لهم بعد اليوم ولم يعد يهتم بالتسكع برفقتهم، لقد أصبح شغوفًا بالرسم، ولقد راقت له أجواء المنزل الأسرية فصار يتحسر على تلك الأيام التي قضاها بعيدًا عن أسرته حيث فاته الكثير من المتعة.
لكن ذلك كان درسًا تعلمه من مدرسة الحياة، فالتوازن أمر مطلوب، للأسرة حقها، والأصدقاء نمنحهم بعض الوقت ولا نتجاهل أنفسنا ففي جعبتنا الكثير لنمنحه فرصة للظهور والتألق..