يلتهمون بعضهم
الكاتبة : سلافة سمباوه
في مجالس النميمة المعتادة تتردد على مسامعنا بعض العبارات مثل "سمعتي أن فلانة تطلقت يا حظها وددت أن أكون مثلها ، و تقول أخرى: "حظي النحس يعطي الحلق للي بلا ودان معطيها ربنا كل شيء وأنا ولا شيء” وأيضا نسمع في بعض المجالس : أن هناك فتاة نحفت بسبب مرض ما فتقول صديقتها" قد أصبحت فلانة جميلة بعد مرضها فقد أصبحت رشيقة القوام ياليت أمرض بذات المرض وأصبح ممشوقة مثلها" وأخرى تسرد نجاح فتاة وزواجها من رجل وسيم وأنيق على الرغم أنها تزوجت عدة مرات وزوجها الأخير ثري للغاية ويغرقها في الترف والنعيم والسعادة الدائمة وكأن أبواب السماء أمطر عليها الحظ دفعة واحدة .ولكن الحسد جعلها تردد دائما لماذا الله أعطاهم من فضلة ولم يعطيني مثلهم.
النميمة صفة مقيتة ومن كبائر الذنوب ومع هذا أصبحت فاكهة المجالس حتى في مجالس العزاء نسمع دائماً عبارة : ياحظه على هذه الموتة ، كم سيرث أبنائه فقد ترك لهم أموال طائلة. لتجيب عليها آخرى :
"قبره واسع ، موتته سريعة" ماذاعمل في دنيته لكي يدعون له كل هولاء الناس؟! لتجيب عليها آخرى بجانبها نحن لمًا نموت سوف يعملون لناعزاء أفضل من هذا العزاء.
يهدف النمام إلى إثارة الشر والبغضاء بين الناس فهو يظهر بمظهر الصديق دائما كي يرضي فضوله والوصول إلى مايريد معرفته.
في عيادة التجميل ذات مرة كانت هناك سيدتان تتحدثان بصوت مسموع للجميع ، قالت احداهما للأخرى : أن هناك فتاة تحسدها وتمثل عليها أنها مسكينة ومغلوب على أمرها حيث أنها لا تجد قوت يومها فكانت تسألها مرارا عن مصدر أموالها ومن أين تحصل على كل هذه الأموال التي تضيعها في عيادات التجميل وأماكن الترفيه وهي لا تستطيع أن تفعل ما تفعله وقالت: بنبرة قاسية " أنها فتاة حسودة و لئيمة فقد عرفت ذلك من نظرة عيناها وسيل أسئلتها التى ضقت ذرعاً منها .
لا شعوريا أمعنت النظر إلى للمتحدثة .. لم يكن عليها أثر للثراء الفاحش التي تحسد عليه ، إنما هي سيدة عادية جداً تتحدث عن فتاة في اعتقادي أنها عادية مثلها ..
سألت نفسي كل مرة اصادف بها تلك المواقف ذات الأسئلة؟!
هولاء العينات من البشر متى يشعرون بالنضج والاكتفاء؟!
لماذا هذه السيدة وغيرها يرون أن الآخرين يحسدونهم ؟ لماذا البعض يفسر تصرفات الناس وكلماتهم وهمساتهم وحركاتهم أنها تعنيهم ويقصدونهم بها ؟
إلى هذا الحد القلوب والعقول خاوية؟!
نشبعها بتفاهات لا وجود لها، وليس لها أساس من الصحة ؟
هل نسعى لارضاء البشر على حساب شعورنا ؟
لماذا نظل نتعب عقولنا في تفسير حركات الاخرين وتصرفاتهم وسكناتهم ؟
أليس لدينا حياة حتى نغوص في حياة الأخرين الذين لايعنون لنا ، واحياناً من قمة التفاهة أننا نفكر في حياة الناس في مواقع التواصل الاجتماعي فنحن لانعرفهم على الواقع .
لا يدرك البعض بشاعة الذنب الذي يذنبونه أنه مرض قلبياً خبيث هو الحسد وتمني زوال النعمة من الغير يغذون قلوبهم بسواد يكبر يوماً بعد يوم في حين صاحب النعمة متنعم .
بل والادهى، يبرر البعض أخطائه وخسائره على الحسد ، وكأن الحسد شماعة يعلقون عليها بشاعة أفعالهم واخفاقاتهم. وقد يتقاعس البعض عن مهامه وواجباته بحجج واهية وهي الحسد والعين. فهل يبالغون أم أنهم على حق؟.
الكثير من الناس يقارن نفسه بغيره ويشعر بعدم العدالة لحصول شخص ما على ما لايستحقه بنظره ويحزن على نفسه لعدم حصوله على ماظفر به غيره. وإذا اتهمه أحدهم بالحسد يقول أنا لست حسوداً إنما أتوق إلى العدالة وأن يظفر كل شخص بما يستحق.
وترى الكثير من الناس يرددون بجهل: الشرير يكسب والطيب يخسر. "يعطي الحلاوة لمن ليس لديه أسنان "والكثير من الكلام الذي كله افتراء على الله وطعن في صميم الإيمان.
وأقول لكل من يشعر بهذا الشعور: تريث، لا تتسرع بالأحكام، لا تستنتج أن غيرك محظوظ وأنه لا يستحق، أنت لست محظوظاً بسبب ظروف حالية.
أولاً ؛ ليست مهمتك تقدير استحقاق الناس للنعم من عدمه. الله أعلم بعباده و باستحقاقاتهم.
إن مقارنة نفسك بالآخرين في نزعة للشفقة على نفسك والاحساس بالظلم هو أبعد ما يكون عن الاتزان النفسي والنضج العاطفي أو حتى الوعي وكذلك أبعد عن الإيمان السليم. فيجب أن تكون على قناعة أنك حتى لو كنت في مشكلة حالياً فإن الله لن ينساك وأن مع العسر يسراً وأن الله ليس غافلاً عن عباده ولن يترك الظالمين دون حساب ولا المظلومين دون نصره وتأييده. استغراقك في التفكير في أحوال الناس بما لديهم من نعم والتحسر على نفسك يعني أنك توحل نفسك بصفات الحقد والحسد والسخط ولن تزيدك هذه الصفات إلا نقمةً وحزناً وخسارة. وتذكر أن من رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط. واعلم دائماً أن حكمة الله تُسيّر جميع أمور الحياة فلا تعطي لنفسك الحق في تقييم مقدار العدالة من منظورك الشخصي.
ثانياً : ماتراه من ظروف حالية لا يبرر لك مطلقاً استنتاجاتك بعدم وجود العدالة فالعبرة بالخواتيم. السواد الأعظم من الناس يتسرعون بإطلاق الأحكام على أي حدث وهم في الحقيقة لا يعلمون ماقد يكون خيراً أو شراً على عكس ماهم يعتقدون.
فكم من ناس انقلبت نعمهم إلى ابتلاءات وكم من ناس تكبروا وتجبروا وكانوا مختالين فخورين بما لديهم فأراهم الله سوء أعمالهم.
كن واثقاً بعدل الله وتوكل عليه سبحانه، ولاتحسد أحداً، ولا تتمنى الشر لأحد واطمئن لحكمة الله وتدابيره في تسيير جميع أمور الحياة.
لا تستنفذ طاقتك بالتفكير بما لدى الناس ولا تنصب نفسك قاضياً على الكون. فالله أعلم بأمور الدنيا وكل ما يجري فيها لحكمة منه. والمخلوق ليس كالخالق ومهما بلغت من الذكاء ومهما كنت تواقاً للعدالة لن تقوى على فهم كيفية تطبيق العدالة في الدنيا ولن تستوعب الحكمة المطلقة من وجود الشر إلى جانب الخير.
دعك من النظر إلى ما لدى الناس وهدر طاقتك في الحسد. فكر في نفسك، ركز على ذاتك واطلب من الله العون والهداية والمساعدة واسعى بكل الطرق المشروعة لكي تتطور وترتقي بنفسك وبأوضاعك. وتذكر دائماً أن كل إنسان له نعم منحه الله إياها فإما أن يحسن استغلالها فيكسب رضا الله ويبارك له بها ويزيدها، وإما أن يسيء استخدامها فيخسر دنيته وآخرته. كما وأن لكل إنسان ابتلاء. فإما أن يحسن التصرف لمواجهة هذا الابتلاء وإما أن يسيئ التصرف فلا يزداد إلا خسارة.
إن الله قد أمرنا بالتعوذ به من شر حاسد إذا حسد. فهل يعقل لمؤمن أن يرتضي لنفسه أن يكون هذا الحاسد الذي يتعوذ الناس بالله من شره؟ وهل سيجني من وراء هذا الحسد إلا الشر وسخط الله؟
إن نعم الله لا تعد ولا تحصى ومهما كانت المشاكل كبيرة فلا بد من وجود نعم هذا يقين غير قابل للشك. فليدع الانسان التفكير السلبي جانباً وليحاول الاسترخاء ويفكر في النعم اللتي خصه الله بها والمصائب التي جنبه إياها ليستعيد توازنه النفسي ويحمد الله بصدق على ماآتاه من نعم ويطلب منه بقلب نقي خالي من النقمة أن يهديه حسن التصرف لمواجهة المشاكل ويصرف عنه الأذى والسوء وليتوكل على الله حق توكله ويستعن به ويسعى للتخلص من مشكلته.
تلذذ بالنعم التي منحك الله إياها، واشعر بقيمتها، واحمد الله عليها بنية صادقة، واطلب منه أن يبارك لك بها ويزيدك من فضله ونعمه.
إن الشقاء هو عدم الإحساس بالنعمة، أن يحصر الانسان كل تفكيره بما ليس لديه ولايشعر بقيمة ما لديه من نعم. ولا يشعر بها لأنه اعتاد عليها، أو لأنه لا يعتقد بقيمتها (وهذا خطأ فادح)، فإذا فقدها تحسر عليها.
هناك الكثير من الناس الذين يتتبعون أخبار غيرهم ممن يعتقدون بأنهم محظوظين ويسعدون لسماع أي خبر غير سار يخصهم لكي تهدأ نفوسهم ويبرد بركان الغل الذي توهج في صدورهم. ولو أنهم ركزوا على أنفسهم وطهروا قلوبهم من تلك المشاعر السلبية لشعروا ببركة الله تعم في حياتهم. إلا أنهم اختاروا النفس الشيطانية الحقودة الساخطة فلن يكسبوا إلا المزيد من السخط وهذا حال الحسود.
ترى ماالذى يجعل الكل خائفاً من الحسد الى هذه الدرجه حتّى ولو كان لايملك مايحسده الآخرون عليه؟
وهل هذه الحالة الغريبة من الفزع من حسد الآخرين هى التى أفرزت المثل (حسدوا الأعور أو الأعمى على كبر عينه) او ( عين الحسود فيها عود)
من جانب اخر من يتطلع إلى حال الناجحين بغبطة وبقلب خالٍ من النقمة كحافز لنجاحه فهوعلى صواب من دون شك وما أجمل أن يكون الإنسان طموحاً ومحباً للناجحين ولأن يصبح مثلهم.
إذا انشغل كل فرد في حياته بما ينفع له والبحث عن جوهره وتعديل ذاته ، اذا امتن الشخص بالشكر لفضل الله على ماوهبه من نعم كمنزل وأسرة وأطفال بصحة جيدة رغم قلة المال مثلاً سيرضى بحياته ويحمد الله أنه أفضل حالاً مِن مَن لايجدون مأوى
انظروا لأجمل مافي أنفسكم وحياتكم وأزواجكم وأطفالكم وأجمل ماتملكون ستحمدون الله كثيرا بأنكم أغنى الناس ، إن نظرتم للآخرين ونجاحاتهم تمنوا لهم الخير من قلب صادق ومن أعماق أرواحكم وليست كلمات جوفاء من فم بارد.
وقلب حاقد
اصنعوا حياتكم وركزوا عقولكم عليها بدل أن تشغلوها في حياة الآخرين ، عقلك الذي جعلته مساحة للتطفل في حياة الآخرين يمنعك من رؤية الجمال والنعمة والنعيم الذي تملكه في حياتك
تُرى ماالمهم في حياة الآخر لتجعل عقلك مرتعاً ولسانك يجتر فيه ؟!
وما المهم في حياتك والجميل ولم تراه اثناء اجترارك المعتاد ؟!
ماالذي تستفيده وأنت تحسد وتتحسر على حياتك وتتفوه بأماني لاتعلم فداحة الكلمة التي تتمناها؟!
إن انقلب السحر على الساحر وذقت نفس السوط ونفس الاجترار في بدنك وحياتك والناس تأخذك أحاديث السهرة ماالنار التي تحرقك ؟!
ولكي تعرف قيمة عقلك جيداً انظر فيما يقضي فراغه ماالذي يشغله هل هو عقل مجتر في التفاهة وحياة الآخرين والكماليات والمظاهر ؟!
أم عقل يفكر كيف يطور روحه واتزانه النفسي ويتعلم شيء جديد ومفيد، عقل يتغير للأفضل ويغير محيطه للأفضل . عقل مبتعد عن التسويف والمماطلة عقل يصنع نجاحاته مهما كانت بسيطة
هل سألت نفسك يوما ما الشيء الجوهري الذي انجزته اليوم في حياتي؟
ماالصفة الحسنة التي سأطورها في ؟
ماالذي سأضيفه هذا الشهر في قائمة انجازاتي البسيطة ؟
ستجد أن عقلك ابتعد عن اجترار الفراغ ولن يصبح مرتعاً لحكايات أمثال فلانة تطلقت وعلانة تزوجت .
فكر جيداً في النعم التي تملكها وامتن واشكر الله من قلبك وثمن حديثك قبل أن تدور الدنيا فالحياة لاتبقى ولا تُبقي لأحد