مال الماضي
الكاتبة : تهاني المشيخي
ولم يستطع خلق جمال حاضره القاسي، كأننا عصافير تحوم في سماء اليوم ليلاً ونهاراً، حتى إذا أنهكتنا تعب اليوم استرحنا في أعشاش الأمس.
قد يعاني بعض الناس من التفكر كثيراً في ذكريات الماضي السيئة التي سببت لهم الشعور بالضيق والألم رغم مرور سنوات عديدة على مضي هذه الذكرى بمجرد السير في أحد الشوارع التي حدثت فيها ذكرى مؤلمة ولذا تبحث هذه الفئة عن وسائل للتخلص من ذكريات الماضي السيئة.
والبعض لا يستطيع الخروج من الذكريات المؤلمة لأنه دائماً يتذكر ما يؤلمه، حيث إن الشعور بالألم هو الأكثر شدة من أي شعور آخر والذي يضع علامة بداخل الإنسان، على سبيل المثال حين يتعرض لتربية خاطئة أو العنف عند العقاب من والديه، فإن الطفل علمياً لا يتذكر الأخطاء التي ارتكبها والتعلم منها، وإنما يتذكر فقط الألم الذي شعر به بسبب تعرضه للعقاب من قبل والديه، وهذا الموقف يترك له ذكرى سيئة تؤثر على حالته النفسية عند كبره.
العقل يحتفظ بالذكريات كشريط سينمائي لدينا، ولكن زود الله الإنسان القدرة على النسيان أيضاً لمن أراد أن يتخطى ذلك، إذاً الذي علينا فعله هو مواجهة الشعور المؤلم وعدم الهروب منه، فلا بد من الجلوس مع أنفسنا كثيراً، ونتعرف على تلك المشاعر المؤلمة المدفونة في داخلنا، ونواجهها ولا نقاومها، ونفصح عن كل ما يدور في الوجدان، ونتحدث عن تلك الذكريات أو المواقف المؤلمة لأنفسنا أو لمن نثق به أو لمتخصص يستمع لنا.
إن هذه العملية من الإفراغ الوجداني كفيلة أن تذوب جبال الماضي المؤلم، مجرد البوح وإظهار الألم من داخلنا يجعلنا نشعر بتوازن داخلي وبراحة وهدوء، ويجعلنا ندرك أن هناك العديد من الأبواب المفتوحة أمامنا، لكننا من قيدنا أنفسنا بسجن الذكريات، وجعلنا كلمة “صعب” في حياتنا.
علينا اليوم أن نمنح أنفسنا فرصة التصالح ونصوب نظرنا إلى أشياء تساعدنا على رؤية الحياة بكل ما فيها من روعة وجمال ونعم بصرية ونفسية وحسية ملموسة وأن نرمي بذكرياتنا المؤلمة في الزبالة.