من وحي قضية خاشقجي ، غرفة عمليات اعلامية عاجلة
الكاتب الإعلامي عبدالعزيز قاسم
1) كان القلقُ مرتسماً على وجهِ صديقٍ عزيز، جمعتني به مناسبة بالأمس. لم يكن وحده القلِق، بل مجموعةٌ من الأصدقاء المنذهلين والمصدومين مما يحدث. تحلّقوا يسألون عن قضية الزميل جمال خاشقجي يرحمه الله، والتداعيات المتسارعة التي تحدث، وكرة الثلج التي تكبر، وتداعي أمم العالم علينا..
2) قلتُ لهم جميعا: اطمئنوا.. مرّ وطننا الغالي بأسوأ من هذه القضية بكثير. دونكم حرب الخليج الثانية التي لا تقارن بقضية خاشقجي بها. قواتُ العالم حضرت في أراضينا، الرياض تُرمى بصواريخ سكود. صدام دخل الخفجي بجيشه الذي كان يعتبر خامس أقوى جيش في ذلك الوقت، بعد خروجه منتصرا من إيران.
كان الخطرُ يتهدّد وجودنا..
3) ما الذي حصل؟ بحكمةِ ودهاءِ وصلابةِ قادتنا، والتفافنا كمجتمعٍ حولهم، مع تماسكنا الداخلي المتين؛ عَبَرنا كل ذلك.
دُحر جيش صدام، ولم يبق في بلادنا جندي غربي واحد، وقد أرجفتْ ونعقتْ أحزاب الاخوان علينا بسبب تلكم القوات. تجاوزنا كل ذلك المخاض، وبات من الماضي، وسفينة الوطن مَخرت للأمام ثابتة والحمد لله.
4) أصابتنا أحداث 11سبتمبر في الصميم منا.. ما زادنا ذلك إلا تكاتفاً مع قادتنا، وقد تآلب العالمُ كله علينا.
جاءتنا القاعدة وداعش مع أفكارهم المتطرفة التي أرادوا تهديد وجودنا بالتفجيرات والعمليات الانتحارية. أبطالُ أمننا البواسل دحروهم بدهاءٍ وحزم.
وبحكمةٍ أيضا وبُعد نظرٍ، فكّكنا فكرهم المتطرف.
5) ابتداءً أيها الأحبة: لا تقلقوا. والمطلوبُ منا –ثانيا- عدم السماع إلا للجهات الرسمية في دولتنا، التي أثبتت في بيانها الأخير شفافية كبيرة، واعترافا بما حدث، وتوعّدا بالمحاسبة والعقاب، لأن المغدور به يرحمه الله، مواطنٌ سعودي، سواء اتفقنا مع آرائه أم اختلفنا، لكنه خدم قدّم لوطنه قبل ذهابه الأخير لأمريكا، و من الضروري الانتباه إلى قنوات الفتنة وهي تتباكى زوراً عليه، وفي نيتها الدنيئة ضربُ الوطن ووحدته وتقسيمه.
6) رصدتُ –بحكم تخصّصي الإعلامي- أن قنوات دويلة قطر، عملت بكل قذارة في تلطيخ اسمنا في المحافل العالمية. وبمتابعةٍ دقيقةٍ لكل الاعلام الذي يغطّي حادثة الزميل خاشقجي يرحمه الله؛ شعرتُ بأن ثمة غرفة عمليات توجّه كل قنواتها، وفضائيتها التي تصرف عليها، وكتيبة الكتّاب المشاهير التي تتبعها وترتزق منها، ينضم لهم جوقة المعارضين السعوديين في لندن وتركيا.. كلهم يرمينا بقوس واحدة، وفي توقيت واحد.
7) أنّى يتجه المشاهد، سواءً للقنوات الفضائية أو المواقع الاخبارية أو تويتر أو أيّ وسيلة اعلامية؛ يجد جميع أولئك الذين ذكرتُ آنفا يكتبون في نفس الموضوع، وبذات الوقت.
إن فلتَ المتابع لهم من القناة الأولى تصطاده الثانية أو الثالثة، وبالتالي لا ينتهي من جولة المطالعة، إلا وقد اقتنع بما أراده الحقدة والمؤلبون علينا.
هذه لعبة اعلام محترفة، أقول هذا بكل أسف، أنهم نجحوا في التأليب لحدٍّ كبير، بسبب غرفة العمليات هذه التي تدير المواقع والكتبة والفضائيات، وتوجّه بشكل مستمر، عبر خطة ورؤية واحدة عندهم.
8)هناك مايسترو خبيث يقود الجوقة، ويوجّه ذلك القطيع ليكتب وينعق في وقت واحد، وبنفس الموضوع كي يوصل رسالته بتركيز عالٍ، فيما يرفدونهم بالحجج والاثباتات والصور -بزعمهم- ليؤثروا على المتلقي، الذي لا يجد في مقابلهم منا سوى اجتهادات فردية، سواء كمغردين أو قنوات أو مواقع. لا أشعر أبدا أننا منتظمين في حملة اعلامية واضحة ممنهجة، تظهر رأينا وتدعم موقفنا.
9) للأسف أنظر بريبة لما تقوم به الاستخبارات التركية، دورها ليس نظيفا بالتأكيد. إذ كل حينٍ؛ تتسرّب الصور والمقاطع التي لا يمكن لأي وسيلة اعلامية أن تصل لها، فنشاهدها في إعلام دويلة قطر، ونراهم يتلقفونها وينسجون منها قصصا ضخمة، ويحيكون خيوطها بكل احترافية وقذارة، كي تؤثر على المشاهد العربي. وقد استطاعوا للأسف النجاح الجزئي بسبب خطتهم المحكمة الموضوعة التي يمشون عليها.
10) تقوم خلايا عزمي بشارة بعمل هاشتقات في تويتر. تطالع الأسماء التي تكتب بها، ستجد معظم مذيعي الجزيرة من فيصل القاسم وجمال ريان فيها، يشارك معهم –في نفس الهاشتاق- الكتبة العرب من وضاح خنفر وياسر الزعاترة وياسر أبوهلالة، ينضم لهم المعارضون السعوديون في الخارج من المسعري والفقيه والشريف والعسيري. كل هذه الأسماء تكتب في الهاشتاق وتعطي ثقلا وتأثيرا فيها..
11) في مقابل هذا الهاشتاق المضاد لرؤيتنا، عندما نضع هاشتاقا يمثلنا؛ لا يشارك فيه إلا القلة القليلة من الأسماء المعروفة، وجلّ من يكتب إما أسماء وهمية من مثل أبو خالد وسعودي في الصميم ومريم، أو أسماء لمواطنين دفعتهم غيرتهم وحبهم لوطنهم، وللأسف دفاعهم عاطفي أو عامي أو مهلهل في قضية كبيرة مثل قضية خاشقجي. بينما بقية الكتاب الوطنيين يتفرجون أو لا يعرفون أصلا عن الهاشتاق. لو كان ثمة غرفة عمليات اعلامية توجههم، وتدعمهم بالأدلة والحجج؛ لانسلكوا برأيي بالكتابة وأثّروا وأوضحوا وأبانوا، ولن يتأخر أحدٌ منهم في مناصرة وطنه، فالمسألة جهادٌ اعلاميٌ متعيّنٌ علينا.. الوطن عندنا حبٌّ ووجود.
12) الخطورة أن عمل دويلة قطر وخلفها تركيا يتصاعد اليوم في الساحة العالمية، فالمعركة انتقلت هناك في الولايات المتحدة والغرب، وأرصد أن وكالة رويترز العالمية، مع السي إن إن بقنواتها ومواقعها، والبي بي سي، كلهم دخل الموضوع، ويحملون في معظم تقاريرهم رؤية خصومنا. من المهم جدا أن يقوم وزير اعلامنا بدور نحتاجه، في تكوين غرفة عمليات، واعادة صياغة خطة ممنهجة، وتحفيز النخب والدعاة والمشاهير والاعلاميين الوطنيين للكتابة عبرها، ووضع خطة لمعركة الغرب الاعلامية الأهم هناك.
13) لا بد من دخول الدعاة المشاهير والنخب المثقفة للساحة اليوم، والدفاع من مواقعهم عن الوطن. من الضروري التواصل معهم، واطلاعهم بخطورة ما يحاك لنا وقادتنا. هؤلاء الخصوم والحقدة على بلادنا لا يقصدون أسماء معينة من حملتهم الاعلامية والسياسية بما يظهر لنا في الظاهر؛ بل يستهدفون هذا الكيان بكامله وقادته، ولا بد أن نعي جميعا خطورة ما يفعلون.
14) أتمنى أن تصل كلماتي للمسؤولين ووزير الاعلام. كرة الثلج تكبر، وهنا دورنا كنخب وطنية ودعاة واعلاميين. لكي تقوم النخب بكل أطيافها الوطنية والفكرية، يجب أن تُستنهض هممها بالتحفيز وحسّ الوطنية، وليس بما حصل في المرحلة السابقة، بالتهديد من قبل البعض. نريد أن يكتب الداعية أو النخبوي من شعورٍ بواجب ديني ووطني، وبقناعة حقيقية واستشعارٍ بحسّ المسؤولية، دون أن نقول له أن يغطي على المخطئ، فدولتنا كانت في المقدمة عبر بيانها بأن يحاسب المسؤولون عن جريمة الزميل جمال خاشقجي يرحمه الله، لأنه إن عدمت القناعة الداخلية، لن تؤثر كلماتنا في المتلقين والمجتمع والشعوب العربية.
15) المعركة اليوم في الساحة السياسية والفكرية للنخب والدعاة والعلماء، الذين حان دورهم، ومع كل احترامي لمن استثمر المطربين أو لاعبي الكرة في هذه الأزمة، فهؤلاء لهم أدوارهم الأخرى، والأزمة تحتاج تفكيك شبهات، وتصدٍّ للمؤلبين، ومناظرة مع الناعقين، ومن الضروري التعجيل بقراءة الاقتراح، وتأسيس غرفة العمليات الاعلامية، وإن كانت موجودة، من الضروري تفعليها بشكل أفضل مما هو موجود، والفكرة ليست فقط في تفعيل قنواتنا واعلامنا وحسب، بل واعلام الأشقاء في الإمارات المتحدة ومصر والأردن والمغرب، وبقية الدول المتضامنة معنا.
16) سنعبر بإذن الله هذه الأزمة، وأنا على ثقة ويقين من ذلك، ولكن هو دورنا اليوم بما فعلنا أيام "حنين" وقت الربيع العربي، وأذهلنا العالم بقوة تماسكنا، واصطفافنا الكامل خلف ولاة الأمر. بتكرار فعلنا ذاك؛ نقوّي ظهور قادتنا اليوم تجاه كل الضغوطات الغربية ، ولن يجد الحاقدون أي ثغرة بيننا.
17) حفظ الله الوطن الغالي. حفظ الله مليكنا الكبير سلمان. حفظ الله أميرنا الشاب محمد بن سلمان. سنعبر هذا الأزمة بإذن الله.. سنخرج أقوياء بفضل تماسكنا الداخلي، وسنمضي متطلعين للإمام، بما رسمته قيادتنا في دخول خانة الدول العشر المتقدمة على مستوى العالم.