أعطتْه ريالا، وضعتْه في كفه، ضغطتْ بيدها على أصابعه حتى كادتِ الورقة النقدية أن تغوص في لحم يده ، قالت : أريد بهذا الريال علبة كبريت، قالتْ لأخته تعالي : ناولتْها ريالا، طلبتْ منها أن تُحكم قبضتها عليه، هذا الريال اشتري به قازا، نظرتْ في وجه كل واحد منهما بعين، اسمعا :انطلقا بسرعة، سأغمض عينيّ وأعدُّ لكما حتى تعودا، صاحب الدُّكان قريب، سأتابعكما من عندي، وضعتْ يدها على عينيها وبدأتْ تعدّ، واحد، اثنان،.... ابتعدا عنها، أعادتْ يدها إلى وضعها الطبيعي، وصلا إلى الدُّكان، ناولاه الريالين، أخذ علبة الكبريت وتناولتْ هي جالون القاز، ألهاهما اللعب، نسيا العدّ والإسراع بالعودة ، مكعبُ علبةِ الكبريت مغرٍ للفتح، النار التي كانتْ تضيء الفانوس وتشعل عيدان الحطب ارتسمتْ في مخيلته، رائحةُ القاز في الجالون أضافتْ للون النار معنى، فتح العلبة، أخرج واحدًا منها، رأسُ عودِ الثقاب كان أحمر اللون، يالهُ من لونٍ مبهج، في الطريق أراد أن يجرّبه كما كانتْ تفعل أمه، اشتعل في صباحٍ بارد، لونُ اللهب كان مثيرا، أشعلَ عودًا آخر، رأتِ النار في يد أخيها، فتحتِ الجالون كما كانتْ تفعل أمها، قلبتْه على فتحته العلوية، سال القاز على جدار بيتٍ مهجور ، اشتعلتْ سيقان الأشجار اليابسة التي تسكن الخرابة، ارتفعتْ ألسنة اللهب، رائحة الدخان وصلتْ إلى البيت، خرجتِ الأم تستطلع الخبر، عادا إلى البيت دون كبريت أو قاز، احتضنت الصغيرين، عاد المسافر إلى بيته المهجور على رائحة الخبر، باع الحطب المحترق، استبدل البيت، بنى بيتًا آخر، ألغى خارطة السفر.