الكاتب: أ.د محمد احمد بصنوي
تتمتع المملكة العربية السعودية بمورد طبيعي غير قابل للنفاذ، ومستمر مدى الحياة، ألا وهو الموقع الاستراتيجي الفريد في العالم، حيث تقع على مفترق طرق التجارة العالمية، وتربط بين ثلاث قارات رئيسية، مما يجعلها نقطة عبور مثالية للبضائع من وإلى جميع أنحاء العالم، وهذا يمنحها إمكانيات هائلة، لتصبح مركزًا رئيسيًا لسلاسل الإمداد العالمية.
وما يعزز من تحقيق هذا الحلم هو أن المملكة تعتبر أحد أهم الدول المطلة على طريق الحرير، البالغ عددها 65 دولة، لكونها تقع على 3 من أفضل الممرات البحرية التجارية في العالم، وهي الخليج العربي، وباب المندب، والبحر الأحمر، التي يمر من خلالها 13% من التجارة العالمية، وتجاوز حجم تجارة البضائع بين الصين والدول الواقعة على طريق الحزام والطريق 6 تريليونات دولار من 2013 حتى 2018، ولذلك أطلقت عليه منظمة "التجارة العالمية" لقب شريان التجارة الدولية، لتصبح مبادرة طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين، من أهم خطوات التكامل الاقتصادي بين المملكة والصين.
تمتلك المملكة شبكة واسعة من الموانئ والمطارات الحديثة، بالإضافة إلى شبكة طرق سريعة تربط جميع أنحاء البلاد، كما يتم العمل على تطوير المزيد من المشاريع اللوجستية الضخمة، مثل مشروع "مدينة نيوم" و "الخط الحديدي بين الرياض وجدة"، وتُعد من أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم، مما يوفر لها بنية تحتية متطورة لخدمات النقل واللوجستيات، حيث قفزت المملكة 17 مرتبة في مؤشر الكفاءة اللوجستية الصادر عن البنك الدولي لعام 2023، لتحتل المرتبة 38 عالميًا، كما أن الإستقرار السياسي والأمني يجعلها بيئة آمنة وموثوقة للإستثمار، خلاف أنها عضوًا مؤسسًا في مجلس التعاون الخليجي الذي يضم ست دول تتمتع بأسواق متكاملة واقتصادات قوية، وعضوًا في مجموعة الـ20 التي تضم أكبر اقتصاديات العالم، وما يُساهم في تنفيذ المقترح هو وفرة قوة عاملة كبيرة تشكل أكثر من 70٪ من إجمالي السكان.
ليس هذا فقط، بل تعتزم المملكة رعاها الله استثمار 1.6 تريليون ريال (427 مليار دولار) في قطاع النقل والخدمات اللوجستية على مدى الأعوام الـ10 المقبلة، عبر شراكات مع القطاع الخاص وعدد من الدول، وفق ما صرح به وزير النقل والخدمات اللوجستية صالح الجاسر وفقًا لما هو منشور في بلومبرج، هذه الاستثمارات الضخمة يجب أن تكون ثنائية الأهداف ما بين خدمة الاقتصاد الوطني داخليًا، وخدمة فكرة تحويل البلاد لأحد أكبر مراكز سلاسل الإمداد العالمية، استغلالاً لما تمتلكه المملكة من موقع متميز، وما يُضخ من استثمارات ضخمة في مجال البنية التحتية التي تعتبر عنصرًا رئيسيًا في خدمة اللوجستيات التي تعتبر أحد أهم العناصر في مراكز سلاسل الإمداد.
تحويل المملكة إلى أحد مراكز سلاسل الإمداد العالمية يُحقق عوائد اقتصادية هائلة على المملكة، تشمل تنويع الإقتصاد السعودي، وتقليل الإعتماد على قطاع النفط كمصدر رئيسي للدخل، وجذب استثمارات أجنبية جديدة في قطاعات مختلفة، مثل النقل واللوجستيات والتخزين والتصنيع، وخلق فرص عمل جديدة لشبابنا الوطني في مجالات ذات مهارات عالية، بالإضافة إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي بشكلٍ كبير، حيث تشير التقديرات إلى أن هذا التحول قد يُضيف ما يزيد عن 100 مليار ريال سعودي (26.6 مليار دولار) إلى الناتج المحلي الإجمالي للمملكة سنويًا، خلاف المساهمة في تحسين جودة الحياة للمواطنين السعوديين، من خلال توفير فرص عمل جديدة ورفع مستوى المعيشة، وتعزيز مكانة المملكة العربية السعودية حفظها الله على الساحة الدولية.
وسط هذه الأحلام والجهود الهائلة، نجد بعض العوائق التي تقف أمام هذا التحول الضخم في الاقتصاد الوطني، ففي ظل جهود إحياء ميناء الملك عبد الله القريب من جدة، نجد بعض المسؤولين يفرضون مخالفات ورسوم مرتفعة على شركات النقل، بسبب بعض الإجراءات البيروقراطية، مما يؤدي إلى تعثر ووقف الكثير من الشركات عن العمل في النقل من الميناء انحاء مناطق المملكة والدول الشقيقة المجاورة ، وخاصة أن تلك المخالفات تؤدي إلى ضياع أرباح هذه الشركات، ولذلك من الضروري إزالة هذه الإجراءات البيروقراطية، بهدف تيسير العمل داخل الميناء من ناحية، ومن ناحية أخرى تعزيز مكانة المملكة في مجال صناعة اللوجستيات على المستوى الإقليمي والعالمي، ضمن مخطط تحويل البلاد إلى أحد أهم مراكز سلاسل الإمداد العالمية.
وأخيرًا وليس آخر، فإن المملكة تمتلك جميع المقومات اللازمة، لتصبح مركزًا رئيسيًا لسلاسل الإمداد العالمي، وهذا إن حدث فمن شأنه أن يُحقق فوائد اقتصادية واجتماعية وبيئية هائلة على المملكة وعلى المنطقة العربية والعالم ككل.