عدوى المطر!
الكاتبة: ليالي محمد
تغيب الشمس، ويحلُّ الليل والظلام حينها، أشدُّ معطفي، أضمُّ جسدي بكفِّ يداي، تعرقلني مئات الأفكار أكثر مما تعرقلني الأحجار الصغيرة على هذا الرصيف المُتهالك، تتناغم أصوات أبواق السيارات المتزاحمة أكثر من صوت أفكاري الذي يزعجني، أرفع رأسي للسماء الملبَّدة بالغيوم والتي بدأت تسود كأنَّها على وشك أن تمطر!
أعرف أنَّها ستمطر لكن لن أختبئ من المطر، كيف وأنا التي أنتظره بفارغ الصبر أن تسقط القطرات على جسدي فتُبدد حزنه وتذهب همه، وتمسح على أوجاعه البائسة!
كيف أهرب منه ككل الناس وأنا التي أدعوا الله كل ليلة أن تمطر وبغزارة حتى تغرق روحي وتطفو فتخف أثقالي وأركض تحت المطر كراقصة باليه تكاد لا تترك موقعًا على المسرح إلا ووطأت بقدميها عليه، تتأرجح قدماي بكل خفة وأستعيد شيئًا من جمال الحياة، أرقص وأرقص على ألحان المطر الغزير، كأنِّي سافرت إلى البعيد، اتلهف للقطرات أن تسير برفق على جسدي وتوهبني دفئًا قديم، يحتضنني المطر كما يحتضن أي غريبٍ على هذه الأرض…
أنظر لمن هم حولي لكل الذين يتأهبون لفتح مظلاتهم كي تحميهم من المطر!
من من المفترض أن يحمي الآخر!
أشتاق لوقع المطر، كمن لم يرى مطرًا في حياته قط، كشخصٍ عاش عمره كله في كهف ولم يبصر سوى الظلام!
أغمض عيني أستنشق بعُمق رائحة المطر، رائحة التربة المبللة بماء المطر، صوت قطرات المطر تسقط على أوراق الشجر!
أحب المطر، كرسَّام يعشق فرشاته، كقارئ يهوى كُتبه، كعالِم يهوى التجارب، ككاتب يعشق الكلمات????
عُدت لواقعي بعد خيالاتي التي سافرت مع المطر، للتو بدأت السماء تُمطر، ها هي أول قطرة تسقط على كفِّ يدي المبسوطة بحماس للقائه!
أرى الجميع يهرول مع بداية حِدَّة المطر في النزول، الجميع تقريبًا اختفى، الشارع أصبح خاليًا سوى مني…
لا!
بل هناك شخصٌ أظن أنه قد حصل على خبر قد انتظره مدة طويلة من الزمن، أراه يركع على ركبتيه، تبتل ملابسه، لا يسأل عمَّ إذا كان المطر سيصيبه بالبرد! يبدو سعيدًا كمن حاز على ملوك الدنيا!
يُخالجني شعور أنَّ ما بداخله أعظم مما أقول!
شعورٌ لا يمكنني أو يمكنه أن يصفه!
يُخيَّل إليَّ أنه سيعشق المطر بعد هذه اللحظة بالتأكيد لو كان يهرب منه كالبقية في الأيام العادية، فقد أصبح المطر بشارة خير له، حُب لا خلاص منه، وهذا ما نُطلق عليه "عدوى حُب المطر!"
كُل الهموم تنجلي وكُل الأمور تسير في أماكنها الصحيحة وكُل مكان يُصبح أهلًا للجلوس فيه فقط حين يسقط المطر!