الصناعة الواعدة ..
تعد السعودية واحدة من أكبر أسواق السيارات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث ارتفعت أعداد السيارات من 13.7 مليون مركبة في 2019 لـ15.7 مليون مركبة في 2022، وفقًا لمنظومة اللجنة الوزارية للسلامة المرورية، هذا العدد الضخم من السيارات، في حاجة إلى عدد ضخم آخر لا ينتهي من الإطارات التي نستورد أغلبها من الخارج، رغم أن صناعة الإطارات ليست عملية معقدة، مثل الكثير من الصناعات التكنولوجية المتقدمة.
بالتأكيد هناك بعض التجارب الوطنية في هذه الصناعة، ولكنها ليست بالقدر الكافي، لإعداد صناعة قوية قادرة على تلبية متطلبات السوق المحلي وتصدير الفائض للخارج، ولك أن تعلم أن المملكة استوردت أكثر من 21 مليون إطار في عام 2017، وكانت الصين واليابان وكوريا الجنوبية في مقدمة الدول المُصدرة، وبلغ حجم ما نستورده من إطارات السيارات المخصصة للركاب فقط 1.1 مليار دولار في عام 2022، بينما بلغ بشكل عام لمختلف أنواع المركبات 1.7 مليار دولار لنفس العام، ويتوقع أن يستمر نمو هذا السوق بمعدل نمو 2.6% لتصل لـ2.2 مليار دولار في 2030، بحسب منصة إندكس بوكس لتحليل البيانات.
هناك فجوة كبيرة بين انتاج الإطارات واستهلاكها بنسبة تصل لـ85% من احتياجات السوق العربية، والذي ينمو بمعدل 4% سنوياً وفقًا للرئيس السابق للإتحاد العربي لصناعة الإطارات والمنتجات المطاطية المهندس محمد فتحي الفقي، وتسيطر 3 شركات كُبرى على صناعة الإطارات في العالم بنسبة 60% ، وهي ميشلان الفرنسية، وجوديير الأمريكية، وبريدجستون اليابانية، إلى جانب 3 شركات أخرى تسيطر على20% وهي كونتننتال الألمانية، وبيريللي الإيطالية، وسوميتومو اليابانية، واستحوذت الصين على شركة بيرللي الإيطالية مؤخرًا، أما النسبة المتبقية التي تبلغ 20% في يد ما يقرب من 100 شركة منتشرة في بلاد العالم المختلفة.
بالطبع إعداد صناعة وطنية في مجال الإطارات، قادرة على منافسة المنتج المستورد ليس سهلاً، ولكنه أيضا ليس مستحيلاً، وهذا لن يحدث بين يومًا وليلة، وفي حاجة إلى جهد ووقت وعمل مستمر ودؤوب، لكي نسير في مصاف الدول المتقدمة، فلن نحقق أي نهضة إلا بالصناعة القادرة على المنافسة والتصدير إلى الخارج، ولذلك هناك ضرورة مُلحة للإستحواذ على نصيبنا العادل من هذه الصناعة، فسوق الإطارات العالمية وصل لـ 239 مليار دولار في 2019، ومن المتوقع أن يرتفع لـ 280 مليار بحلول 2024 بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 3.2 %.
ما ذكر من أرقام حول ما نستهلكه سنويًا، وحجم الطلب العالمي على الإطارات، يُظهر لنا، أننا أمام فرصة واعدة لإقامة صناعة وطنية ضخمة، ولكن قبل هذا، يجب علينا أن نقضي على أي عوائق قد تقف أمام انطلاق هذه الصناعة الواعدة مثل وجود إطارات غير مطابقة للمواصفات رخيصة الثمن، والقضاء على سياسة الإغراق التي تلجأ إليها بعض الدول، لقتل أي صناعة وطنية وليدة، للسيطرة على الأسواق المحلية، من خلال رفع الجمارك، ولكي تنجح هذه الصناعة، يجب علينا أن يكون الهدف في البداية تلبية احتياجات السوق المحلي، ومن ثم الإنطلاق نحو العالمية بإذن الله، خاصة إذا علمت أن حجم السوق السعودي في مجال إطارات الشاحنات يُقارب حجم السوق الأوروبية بالإجمال، وفقًا لتصريحات المدير التنفيذي لشركة "كونتننتال الشرق الأوسط للإطارات وتقنيات السيارات"، اريل كوشيرا.
حديثي على ضرورة الإهتمام بصناعة الإطارات، لم يأتِ من فراغ، فالمملكة تمتلك ميزة نسبية في هذه الصناعة الواعدة، لا تتوفر لدى الكثير من الدول، ولديها كل المزايا من مواد خام أساسية ومنتجات وسيطة وثانوية، ومواد بتروكيماوية كـ"الكاربون" و"كاربون بلاك"، وبالتالي لدينا كل الإمكانيات الخاصة بنجاح هذه الصناعة بسرعة هائلة، فلما لا، فلدينا المال والمواد الخام الخاصة بهذه الصناعة، وحجم طلب السوق المتزايد محليًا وعربيًا ودوليًا، ينقصنا فقط امتلاك التقنية، وهذا ليس صعبًا، فهناك دول مثل روسيا، من الممكن أن تنشأ مثل هذه المصانع، وتنقل التقنية لدينا ويتم الإحلال كاملا بكوادر وطنية خلال سنوات بسيطة.
واخيرًا وليس آخرًا، فحديثي عن صناعة الإطارات في هذا المقال، جاء بسبب امتلاكنا الكثير من المميزات النسبية في هذا المجال، فلا أريد أن أتحدث عن أي صناعة قائمة على استيراد الماكينات والمواد الخام، والتقنية، والعمال من الخارج، ثم أتحدث بعد عدة أشهر أو سنوات، عن أسباب فشل هذه الصناعة، وعن عدم القدرة على منافسة المنتج المحلي، الإجابة بكل بساطة لن تستطيع المنافسة في منتج لا تمتلك فيه أي ميزة نسبية، علينا أن نستغل كل إمكانيتنا للحاق بدول العالم المتقدم، وهذا لن يتحقق إلا بالصناعة، وليس شيئًا آخر ، فلا نهضة إلا بالصناعة .
الكاتب :
أ.د محمد احمد بصنوي