"*لا نهضة إلا بالصناعة* "
الكثير من الكوادر العلمية الممتازة ومن المستثمرين العرب على مدار عدة عقود، ذهبوا إلى أوروبا وأمريكا لنيل الفرص و بحثا عن عوائد جيدة لإستثمار أموالهم المقدرة بـ 2.4 تريليون دولار، وفقاً لموقع العربية، ولكنهم فوجئوا في السنوات الأخيرة بهجمة شرسة غير أخلاقية لنشر المثلية الجنسية في كل مكان، في الشارع، في المدرسة، في التلفاز، وكأن هناك مخططًاً لتغيير طبيعة الفطرة البشرية، فالإنحطاط الأخلاقي الذي وصلت إليه أوروبا أصبح شيء مُقزز لأبعد الحدود، فجامعة أكسفورد العريقة قامت باستقبال نجمة أفلام إباحية لكي تعلم النساء كيف تعيش، وأخذ العِبر من الحياة، وجلست على الكرسي الذي يجلس عليه عباقرة العالم، وهي لا تمتلك أدنى معرفة، ما هذا الإنهيار والإنحطاط الذي وصل إليه الغرب؟، بالتأكيد ما يحدث علامة على أن أوروبا تعيش مرحلة انهيار الحضارة الإنسانية.
نعيش الفترة الحالية عصر الهجرة المُعاكسة من قبل نخبة الجاليات العربية بالدول الأوروبية من مستثمرين ومهندسين، وأطباء، بسبب الخوف على أبنائهم من هذه الأفكار البعيدة عن الفطرة الإنسانية، فبحسب نائب نقيب أطباء العراق الدكتور حسنين شبر، شهدت بغداد عودة عدد كبير من الأطباء الذين هاجروا منذ سنوات طويلة، والسبب الأبرز للعودة، القلق على أبنائهم مع محاولة الغرب لفرض معايير المثلية، ولعل ما ينطبق على الأطباء، ينطبق على غيرهم من العرب والمسلمين في كافة القطاعات.
وفي ظل هذه الهجرة العكسية، تشهد المملكة السنوات الأخيرة طفرة غير مسبوقة في تيسير الإستثمار، ولعل هذه فرصة لجذب المزيد من الإستثمارات الخارجية مثلما تحدثنا في مقال "من أهم الأذرع الإقتصادية"، من خلال دعوة المستثمرين العرب والمسلمين الّذين يعيشون في أوروبا، للحياة في بلد كريمة طيبة تحفظ عرضه ودينه وأهله، وفي نفس الوقت تحفظ ماله واستثماره، خاصة في مجال الصناعة، بما يعود على المملكة وعليهم بالخير والبركة، مع العيش في كنف بلاد الحرمين الشريفين الآمنة بفضل الله، فعودة الطيور المهاجرة أو المستثمرين العرب من الخارج أمر ضروري للمساهمة في تقدم بلادنا، فنحن أولى بهذه الأموال التي توفر المزيد من فرص العمل، وتزيد من الإنتاجية، خاصة وأن الوطن العربي أقل مناطق العالم جذبا للإستثمار، إذ لا تتجاوز حصته العالمية من الاستثمارات الأجنبية الخارجية المباشرة 1% فقط، وفقًا لموقع العربية.
إن فكرة استعادة جميع أو معظم الأموال السعودية من الخارج، أو جذب الأموال العربية والإسلامية بصورة شاملة ضرب من ضروب الخيال، ولكن أتحدث هنا عن استعادة 20% أو 30 % أو في أفضل تقدير 35%، وهو أمر لو تعلمون عظيم، وسيكون له أثر كبير على تحقيق نهضة اقتصادية كبيرة، خاصة إذا توجهت هذه الأموال إلا الصناعة، فمعظم التقديرات تشير إلى أن قيمة الأصول السعودية في الولايات المتحدة فقط تزيد على 1000 مليار أو تريليون دولار وفقًا لموقع دويتشه فيله الألماني.
الحرب الروسية الأوكرانية بمثابة علامة فارقة، على ضرورة عدم وضع البيض بأكمله في سلة واحدة، فبسبب هذه الحرب، قام الغرب بالإستيلاء على أموال رجال الأعمال الروس، ووصل حجم هذه الأموال330 مليار دولار وفقًا لموقع العربية، بالمخالفة الصريحة للقانون الدولي، فالغرب الذي يرفع دائمًا شعار تطبيق القانون، لم يحترم حرمة الأموال الخاصة، فالإستيلاء على أموال لشخص ما، لأنه ينتمي لجنسية معينة، ضرب فكرة الإستثمار بأمان في الغرب في مقتل، وبسبب تجميد الأموال الروسية، فقد بدأت العديد من الدول بعملية ضخمة لإستعادة ذهبها من الدول الغربية، وهناك دول حاولت استعادة ذهبها منذ عقود، ولم تنجح، فقبل 10سنوات فشلت ألمانيا في استعادة ذهبها من بنك نيويورك الفيدرالي، وبعد فضيحة كبرى حصلت برلين على جزء يسير من الذهب، وما زالت أمريكا تحتفظ بباقي الاحتياطات الألمانية من المعدن الأصفر، وهو ما جعل الكثير يُدرك بأن "الذهب لا يكون ذهبك، إلا حين تحتفظ به في بلدك".
ولهذا أؤكد، لا بديل عن الإستثمار في المملكة، فإذا كنت سعوديًا فهذا وطنك، وإذا كنت عربيًا أو مسلمًا فهذا وطنك أيضًا، فبلاد الحرمين ترحب بالمسلمين والعرب من كل مكان في أراضيها الطيبة المباركة بدعوة الانبياء.
وأخيرًا وليس آخرًا، فإن هدفي هو الحفاظ على قيم وأخلاق أبنائنا، من هذا الفكر الشاذ المنتشر بصورة لا تصدق في الغرب، وفي نفس الوقت استغلال فرصة عودة بعض المستثمرين من الخارج، واستقطابهم إلى بلادنا الحبيبة، للإستثمار في الصناعة بما يعود علينا وعليهم بالخير والبركة، فلا نهضة إلا بالصناعة التي هي بمثابة العامود الفقري والأوكسيجين لإقتصاد أي دولة ، واستمراره على قيد الحياة .
الكاتب :
أ.د محمد احمد بصنوي