-سُكون
الكاتبة : خلود عبدالرحيم
.
في طَبيعةِ الحَال كانت وستكون الحياة عبارة عن متضادات تطفو على الأسطح، فما يؤمن بِهِ الشَّخص من معتقدَات قد تذهب بعيدًا ويأتي بدلًا عنَها معتقدات أخرى.
وهذَا ما ينطبقُ أيضًا على مراحل الإنسان، فما بين عبور وسكون له الخيار بالتغيير، إما أن يسكُن عندَ نقطة أو يستمر في المحاولة، ففي عصرنا الحالي ومع توفر المعلومَة ومصادر التعلُم المفتوحة تصيَّر الجهل إلى خيَار يعتقنهُ ممن لا يريد الاستمرار، فحتى في السكون "الإجباري " وأقصد هنا الذي ليس للفرد قدرة على تغييره، كإنهاء مرحلة دراسية وانتظار الأخرى، أو انتظار رحلة وظيفية قادمة بعد وصوله من رحلة سابقة، فمحطاتِ الحياة مُختلفة، والوجهَات قد تتغير، برضى أم لا، كذلِك الرفقة.
قد يتغير حتَّى ما ظنَّ المرء أنهُ مِن المسلمات، ولكن ما يبقى ثابتًا هو ما استثمر به نفسه في السكون من علم ومعرفة وتجربة، فعندما يدرك أن السكون لا يستطيع كسر جموده بالانتظار يبدأ بحمل مطرقتهِ وكسره؛ فالحالمون ترعبهم فكرة اللوحة الثابتة التي تعتليها ساعة بعقارب مسرعة خوفًا من أن يحشرون داخلها، إنهم يكرهون الوقوف لفترات طويلة، وهم أيضًا مستعدون لخوض آلاف الرحلات بمفردهم حتَّى يصلوا أو يجدوا وجهاتهم أو ذواتِهم.
وبعيدًا عن ضجيج الذات والأسئلة والمحطات وعقارب الساعة، من تلك الزاوية الخارجية التي يُرى من خلالها الجسد الساكن بهيئته الخارجية، يحمل به مؤهلات متواضعة، يُحكم أحيانًا عليه بعدم الكفاءة والمحاولة، وفي أحيان أخرى يشار عنه بالفشل والتوقف الدائم عند نقطة، ويرمى عليه بسقم الكلمات وكأن النجاح في عمرٍ أو عند عام محدد هو واجب "اجتماعي" عليه تحقيقه على أكمل وجه لينال الرضى ممن حوله.
ولو نقرب الصورة من ذلك الساكِن نجد أنه رفيقنا الحالم في بداية الصفحة، ولكن ما اختلف هو عمق الصورة؛ فالبعض لا يزال متمسك بفكرة أن العلم مصدره واحد، وعلى من حققه أن يثبت هذا بورقة مختومة لأثبات هذا، بينما في الحقيقة أن المرء قد يكسب الحياة برمتها إن أراد.
وإنه أبعد كل البعد أن يثبت هذا باستعراضه لما اكتسبه لأثباته، فالحالم ليس لديه وقت حتى في سكونه لفعل أي شيء بعيد عن مساره.