فتحت عينيها وهي تسمع رنين جوالها المزعج في غرفتها الهادئة فترد لتسمع بالطرف الآخر صوت صديقتها الأثيرة والجميلة تصرخ باكيةً فتقول : لماذا لا حظّ لي في الرجال ؟ لماذا يهربون مني ؟ لماذا لا يعشقني رجل مثلك ؟ ماذا ينقصني ؟
واستوعبت السامعة أن هذه الجميلة خُطبت ثلاث مرات من ثلاث رجال وتتكرر الأحداث معها كل مرة على انفرادها وقبل الزفاف بأيام أو أسابيع يذهب ولا يعود والحق أن الله حباها جمالاً يُعجب الرجال ويأسرهم فينجذبون إليها سريعاً بدايةً ..
وهنا حاولت عبثاً تهدئتها فطلبت منها أن تأتي إليها لتخفف من وطأة الحدث المتكرر على صديقة السنون الطوال فكلاهما أربعينيات العمر وعبر تلك السنون أصبحن كأختي النسب حتى المنامة ببعض الليالي يجمعهن لتبث كل واحدة لأختها ما يختلج بنفسها فيتبادلن الهموم والضحكات أحياناً ..
أغلقت الجوال ونهضت من سريرها لتستعد لاستقبال صديقتها وتقدم لها النجدة المعنوية ، وأثناء استعداداتها ذهنها يكرر أسئلة الصديقة وبنفس الوقت اثارت المقارنة بين رغبة الرجال واصرارهم خطبتها هي وبين صديقتها التي يهربون منها الرجال رغم أن الباكية هي الأكثر جمالاً ؟ فلماذا فيها يزهدون ومن ثم يهربون لماذا لا تُعشق ؟ أيترك مثلها ؟
وبدأت دوامة أفكارها في الدوران والهيجان المتسارع والعشوائي ، فهناك رجالاً يعشقون نساءاً أقل جمالاً ويخلصون بحبهم ويقدمون التضحيات ولا يتخلون عن الارتباط والتعلق بهن كتعلق الطفل بأمه زاهدون في الأكثر جمالاً وبالمقابل وعلى النقيض نجد من يشبه حالهن حال الصديقة الباكية ذات الجمال ..
ووجدت نفسها بين المئات من الكتب من عهود خلت حتى يومنا هذا تفيض بكنوز من المعلومات وسيلاً من الآراء والأشعار عن حسنات وصفات الأنثى التي تُعشق ويهيم بها الرجال والمدهش أن كل صفة أو حسنة تصطادها أثناء البحث وكل ما استطاعت طوله حول هذا الطرق المتعلق بالأنثى الآسرة للرجال موافقة للواقع ووضحّت لها تناقض حال بعضهن عن البعض ..
لتجد أنها أنثى قبل أن تُعشق هي تعشق نفسها وتعتزُّ بها لذا تهتم بذاتها معززه لها من الداخل والخارج مفتخرة بأنوثتها لا تخجل من اظهارها بالشكل اللائق والأولوية اهتمامها بشحن فكرها ثقافياً من خلال الاطلاع والمعرفة المتجددة فتجدها بأي زمان ولقاء ومكان متحدثة بارعة قادرة على إدارة الحوار وتوجيه سفن الكلام حيثما تريد فهي تملك الرأي الرشيد والعقل الحكيم ..
أما للرجل فهي ترعاه باحتوائها له ولكل ما فيه من نواقص ونواقض وصفات ومكرمات والاحتواء لديها يسبقه تقبُل ورغبة فيه قد تصل حد الحب أو العشق أو الغرام له ونزيد على ذلك قوتها وثباتها في جوانب شخصيتها الواعية عندئذٍ تحتوي غضبه قبل رضاه وجنونه قبل تعقلُّه ونفوره قبل عشقه ولا تحتويه إلا بتحليها بالصبر المتعقل المتأني والمدروس فلا نقصد الصبر الذي لا نهاية له ولا حد فهنا يكون صبرها مطمع للإساءة لها ومركن لامتهانها وتهميشاً لكرامتها وضياعاً لحقوقها لاحقاً .
هي الحنونة التي تقسو وقت اللزوم ، هادئة ولكنها أحياناً تُجن ويكتنفهما الغموض فتشابه في هدوئها وجنونها وغموضها البحر بأمواجه المتلاطمة وغموض ما يحتويه في أعماقه ..
هي أنثى تغمرها أنوثة طاغية تشبع عينه وقلبه بأنوثتها وجمال روحها فتسكن روحه وتُشبِع أنوثتها به ومعه وله ..
تعيش في مملكته ملكة ولكنها تشعره أنها أميرته تُحفِز ملكها للنهوض بالمملكة وتدفع به للأعلى وتشجعه ليكون في المقدمة في دنيا العمل والاجتهاد .
أنثى متفائلة لا يطرق الحزن ولا النكد بابها ولا يعرفه عاشقها لأنها لا تسمح للنكد الوصول إليه لذا يشعر بالأمان في كل حالات القدر خيراً كانت أم شر وتوحي له بأن كل شيء يسير بخير فتنشر السعادة فيمن حولها فهي لا تحب اجترار الحزن في الأزمنة سواء كان الحاضر أو الماضي أو المستقبل تجد ابتسامتها تعلو محياها ولا تغادر مبسمها دوماً ففي النهاية تغنيه عن كل نساء الأرض فيكون عاشقها حضيضاً لو فاز بها وبقلبها ففي محيطها يتسابق الرجال للظفر بها .
هي آسرة يرغب بها من يصدفها ويرصد جوهرها النفيس يحتاجها كل من يبحث عن شاطئ يرسو إليه وروحاً تضمه وأماناً يقوّيه واحتواءاً يشبعه فيسعد من يحظى بها ولن يُفرِّط فيها أبداً بعد أن وجدها ..
ولكن ليحذر من خسارتها لأن عودتها ستكون ضرباً من المستحيل فمصدر أنوثتها الآسرة هو قلبها المحب وليخشى أن تهديه لآخر يفوز به أولاً ثم بها ويعشقها والأهم يًقدرها لتكون له شاطئه الهادي ومرساته الصلبة ومملكته المستقرة وجنده الحصين والقلب الحنون الذي يعود إليه كل مساء ليضع أوزار حربه و ضربه في الأرض الجسدية والنفسية ليجد راحته وطمأنينته فيهدأ ويسكن ويسعد ، ولينظر إليها على أنها نعمة حظّهُ الله بها فلا يبطر فتزول تحقيقاً للشرط في الآية ( ولئن شكرتم لأزيدنكم ) فلا يوجد الأفضل إلا في جنة الحور العين الموعودة للمتقين من عباده ..
بقي أن نقول :
هذه الأنثى الآسرة التي تعشق هل هي ضرباً من الخيال المُحال فلا يمكن أن تُوجد في هذه الدنيا ؟
والجواب : لا هي موجودة ومتواجدة في كثير من البيوت وخلف الأبواب ولكنها قد تكون مع رجل لا يُقدر ما أنعم الله به عليه فلا يميزها ولا يلتفت لها شارداً بنظره باحثاً عن الوهم لا يرضيه أحد تائه يهيم على وجهه فيلهث خلف السراب فلا يجد شيئاً فيكون في النهاية خاوي الوفاض يبحث عن أنثى أخرى تُعشق ليعشقها ويتواصل بحثه دون جدوى حتى تفارق روحه جسده كمداً أو ندماً ..
ولنقول أخيراً يا صديقتي الباكية الحزينة هل تستطيعين أن تكوني هذه الأنثى الآسرة أو على الأقل لديك بعض هذه الصفات والحسنات حينها لن يتركك أي رجل ولا يتخلى عنك أبداً .