أخبار الحمقى !
الكاتب: إبراهيم الجنيدل
القصص والمواقف تُطرب المسامع، ويسهل تناقلها بالمجالس، ولهذا تصل أسرع وآثرها يُلمح؛ عكس التنظير حول الأفكار والمبادئ فهي غير مُحببة إلا لشريحة محددة من الناس وآثرها أبطأ وإن كان أعمق؛ وهؤلاء يعتضدون بالقصص والمواقف لتسهيل التنظير ونشر الأفكار للسواد الأعظم بين الناس.
قصص الناجحين وأخبارهم أخذت حيّز واسع في التدوين وهي الرائجة اليوم؛ وهذا مفهوم في ظل السعي المَحموم للتفرّد والتميّز، لكن ليست هي الوحيده التي تستحق التدوين باعتقادي، فهناك قصص المغفلين وأخبار الحمقى خاملة الذكر ومغفول عنها؛ وقديمًا كانت تُدون أخبار الحمقى والمغفلين ولها مُصنفات مستقلة؛ مثل كتاب:أخبار الحمقى والمغفلين- لابن الجوزي المتوفى سنة: ٥٩٧هـ - والدافع لجمع أخبار الحمقى كما يقول ثلاثة أمور الأول: أنَّ العاقل إذا سمع أخبارهم قَدْرَ ما وُهِبَ له. الثاني: ذكر المغفلين يحث المتيقظ على اتقاء أسباب الغفلة. الثالث: أن يروّح الإنسان قلبه، فأن القلوب تمل. وجاء في الكتاب خبر رجل يدعى- أبو عبد الله الجصّاص- نظر يومًا في المرآة فقال: اللهمَّ بيِّضْ وجوهَنا يومَ تبْيَضُّ وجوهٌ وسوِّدْها يومَ تسوَّدُ وجوه. ويُحكى أن رجل جنى جناية لا ليس لها في كتاب الله حكم معروف فاستشار القاضي الفقهاء ماذا ترون؟ فقالوا بأجمعهم الأمر لك، قال القاضي: فإني رأيت أن أضرب المصحف بعضه ببعض ثلاث مرات، ثم أفتحه فما خرج عملت به. ففعل فخرج قول الله تعالى: (سنسمه على الخرطوم) فقطع أنف الرجل وخلى سبيله. واختلف بعض الحمقى فيما يقال عند رؤية الجنازة: الأول يقول إذا رأيت جنازة فقل: ربي وربك الله لا إله إلا الله. والآخر يقول أخطأت قل: اللهم ألبسنا العافية. فتشاجرا في ذلك فاحتكما إلى رجل ثالث فقال: إذا رأيتم جنازة فقولوا: ( سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته) . وقيل لأحمق وكان يتحرى من الغيبة ما تقول في إبليس؟ فقال: أسمع الكلام عليه كثيرًا والله أعلم بسريرته. سمع بعض المغفلين أن صوم يوم عاشوراء يعدل سنة، فصام إلى الظهر وأكل وقال: يكفيني ستة أشهر.
الحماقة والجنون يينهم قدرمشترك؛ الحمق هو الغلط في الطريق إلى المطلوب مع صحة المقصود، بخلاف الجنون فإنه عبارة عن خلل في الوسيلة والمقصود جميعا؛ فالأحمق مقصوده صحيح وسلوكه فاسد، كحال الأمير الذي طار طائرًا له فأمر أن يغلق باب المدينة ليمسك الطائر ! .
تدوين أخبار الحمقى فيها عظة وعبرة، وتعطي القارئ التوازن والشمولية والتعامل مع الأمور بحذر، والسؤال الأهم هل ستلقى أخبارهم مكانًا في رفوف المكتبات وفي وجدان القارئ ؟
مع وجود كم هائل من قصص الناجحين وأخبارهم الحقيقية أو الوهمية التي غصّت بها المكتبات وتسيّدت الأجواء !!