صناعة المستحيل
تقع المملكة العربية السعودية في منطقة هي الأشد جفافًا على مستوى العالم، ونظرًا لعدم انتشار الغابات والأشجار مثل الدول المطيرة، نعتمد على الخارج في توفير ما نحتاجه من أخشاب، وبلغ إجمالي واردات البلاد من الأخشاب في عام 2017 نحو 2.18 مليون طن بقيمة تتجاوز 3.95 مليار ريال، ونستورد الأخشاب من العديد من الدول مثل الأرجواي، أستراليا، أمريكا، إندونيسيا، إسبانيا، إيطاليا، البرازيل، التشيك، السويد، الصين، ألمانيا، النمسا، الهند، تشيلي، رومانيا، فنلندا، ماليزيا، نيوزيلاندا، وفقًا لهيئة الجمارك السعودية.
صحيح أن زراعة الغابات في بلادنا، لتوفير الأخشاب التي تدخل في صناعة الأثاث والكثير من الصناعات، يعتبر ضربًا من ضروب الخيال، ويصل إلى حد الجنون، ولكن من خلال التفكير بصورة غير تقليدية، فهذا الأمر ممكن، وبصورة أسرع مما تتخيل، وبدون تكلفة تُذكر، نعم ما قرأته صحيحًا، فالمملكة قادرة على زراعات الكثير من الغابات في أكثر من منطقة، بدون أي أعباء مالية كبيرة، وبدون إجراء تحلية للمياه بأموال باهظة، ولكن كيف هذا، وتقع بلادنا في أشد مناطق العالم جفافا، ولا تتوفر المياه اللازمة لهذا الأمر من وجهة نظر البعض؟.
الإجابة ببساطة تكمن في استخدام مياه الصرف الصحي، بعد إجراء عملية معالجة أحادية أو ثنائية، في زراعة ملايين الأفدنة من الغابات، لا توجد معلومات حول حجم مياه الصرف الصحي بشكل دقيق، ولكن من الممكن استنباط حجم هذه المياه إذا علمنا أن اجمالي ما نستهلكه من المياه وصل لـ24.5 مليار أي ألف مليون متر مكعب ما بين عامي 2011 و2015 وفقًا لبيانات وزارة المياه والبيئة والزراعة، وهذا يعني ببساطة أن حجم مياه الصرف الصحي يقارب هذه الكمية، واستخدام هذه المياه في زراعة الغابات، لا يوفر الأخشاب فقط، ويقيم صناعة بمليارات الريالات، وآلاف من فرص العمل فحسب، ولكن له أكبر من ذلك بكثير.
زراعة الغابات على مياه الصرف الصحي المعالج يُحول نقمة الصرف الصحي التي ينظر إليها البعض على أنها معدومة القيمة، ويجب التخلص منها إلى نعمة وفرصة اقتصادية هائلة، خلاف أن زراعة الغابات على مياه الصرف يُحسِن البيئة، لأنها تساعد على امتصاص ثاني أكسيد الكربون، حيث أن الشجرة المتوسطة تمتص 1.7كجم من ثاني أكسيد الكربون، وتنتج 140لتر أوكسجين يوميا، بالإضافة الى تقليل سرعة الهواء المحمل بالأتربة، مما يؤدى الى ترسيب الملوثات العالقة بالجو فيصبح الهواء نقيا، خلاف أن التخلص من هذه المياه قد يكون بصورة غير آمنة، ويؤثر سلبًا على سلامة المياه الجوفية، ناهيك على أن التوسع في زراعة الغابات يُساهم في خفض درجة الحرارة، فثمة علاقة ما بين المناخ الصحراوي وارتفاع الحرارة، وحال تحول جزء الأراضي الصحراوية إلى أراضي خضراء أو غابات، فمن المؤكد أن درجة الحرارة ستنخفض، فهو أمر محمود على كافة المستويات.
ليس هذا فقط، بل إن هناك إمكانية للحصول على الوقود الحيوي من مخالفات الصرف الصحي، من خلال زراعة الهوهوبا، أو الجوجوبا، التي تنتج ثمار أحد أغلى أنواع الزيوت التي تُستعمل كوقود حيوي محل الديزل في تشغيل الطائرات، وينتج الفدان الواحد800 لـ1000 كيلو من البذور، ونسبة استخلاص الزيوت من 40- 50%؛ وبالتالي ينتج الطن الواحد 400- 500 كيلو من الزيت سنويا، ويزداد سعر الأشجار التي تروى بمياه محلاة، ويمكن استعمال زيوتها في منتجات علاجية، ومن مميزات هذه الشجرة أنها مقاومة للأمراض، ومعمرة وتعيش حتى 200 عام ، خلاف مقاومتها للجفاف بصورة كبيرة، أي انها تناسب البيئة الصحراوية وفقًا للكثير من التجارب.
وأخيرًا وليس آخرًا، فهناك ضرورة للاستفادة الاقتصادية من كافة مواردنا مهما كانت، فالبعض ينظر إلى مياه الصرف الصحي على أنها شيء عديم النفع، لا جدوى منه، ولكن عند التفكير بصورة غير تقليدية نستطيع تحويل هذه النقمة إلى نعمة، وفرصة استثمارية ، تقلل من فاتورة الاستيراد، وتزيد من فرص العمل، وتقيم صناعة كان من المستحيل أن تقام من قبل، فمن منا قبل قراءة هذه الكلمات أن هناك إمكانية لزراعة الغابات في بلادنا.
الكاتب :
أ.د محمد احمد بصنوي