السبت, 11 يوليو 2020 01:10 مساءً 0 483 0
"البيزنس" الأكثر ربحية في تاريخ البشرية 

   "البيزنس" الأكثر ربحية في تاريخ البشرية 

بقلم :بروفيسور / محمد احمد بصنوي


 جميع  الشواهد والمؤشرات تدل على أن النظام المالي العالمي وصل إلى طريق مسدود، وبأننا نشهد الآن أزمة نظام، وليست أزمة دورية، فمضى ما يزيد عن 10 سنوات عن الأزمة المالية الأخيرة في 2008، ورغم ذلك لم نشهد أي تغير في النظام المالي، وقبل الحديث عن هذه الأزمة، سنتحدث عن نشأة النظام المالي العالمي، ومن المتحكم فيه. 

إن النظام المالي الحالي ظهر إلى الوجود منذ زمن بعيد جدًا وتطور عبر السنين، لكنه خلال هذه السنوات كان يتمتع بخاصية هامة جدًا، تتمثل في أن المنظومة النقدية تحت سيطرة الدولة  بشكل كامل، وهذا ما حدث في كل دول العالم، والدولة كانت تحارب  كبار اللاعبين من أجل احتكار طباعة العملة، خاصة أن من يسيطر على منظومة النقد، يسيطر على السلطة  الاقتصادية، ومنذ وقت بعيد ظهر في أوروبا المفهوم النظري لسيطرة بعض العائلات الكبرى على المنظومة النقدية، وهذا أدى للعديد من الكوارث الاقتصادية، وهذا بدأ في القرن السابع عشر،  خاصة مع عائلة آل روتشليد. 

إن أول نموذج ثابت لإدارة الشؤون المالية كعمل خاص، ظهر في  عام 1913  بتأسيس النظام الفيدرالي "البنك المركزي الأمريكي"، ولكن السيطرة الخاصة كانت محدودة، نتيجة لإرتباط الدولار بالذهب، وبعد فك هذا الإرتباط والانتقال إلى العملة الغير مضمونة، اشتد دور "الفيدرالي" الذي كان مؤسسة خاصة،  ولك أن تعلم أن تركيبة الفيدرالي الأمريكي الآن تتمثل في مجلس محافظين يضم 7 أشخاص يعتمدهم مجلس الشيوخ بعد ترشيحهم من الرئيس الامريكي، ويخضع لهذا المجلس 12 مصرفًا اقليميًا، وكل من هذه المصارف له مجلس مكون من 9 أشخاص، 3 منهم تنتخبهم المصارف من بين المصرفيين، و3 آخرين ينتخبهم المصرفيون أيضًا، ولكن ليس من قبل العاملين في النظام المصرفي، أما آخر ثلاثة فيسميهم مجلس المحافظين الفيدرالي،  فضلاً عن ذلك فإن  رؤساء النظام الفيدرالي الذي يعينهم الرئيس الأمريكي يكونوا من النخب المالية، ولهذا يعبرون عن مصالح هذه النخب دائمًا، وابتداءً من السبعينات أصبح الفيدرالي الامريكي مستقل بالمطلق. 

 إن برامج اصدار العملة في عام 1944 كانت تلعب دورًا هامًا في الاقتصاد، خاصة أن أمريكا كانت تطرح الدولار خارج حدودها، وهذا كان يقتضي طباعة المزيد من هذه العملة، وتم  شرعنة هذه العملية بواسطة المصارف التي قامت بتسجيل الاصدارات الجديدة من العملة كأرباح خاصة لها، ونتيجة لهذا ارتفعت حصة القطاع المالي في النظام العالمي، فكانت هذه الحصة في أمريكا تمثل 5% حتى عام 1944، وبعد بضع سنوات وصلت لـ10%، وفي  مطلع سبعينات القرن الماضي بلغت 20%، واليوم تشكل 50% ، ولهذا السبب فأن المصرفيين هم الذين يحددون قواعد اللعبة في الاقتصاد العالمي. 

 إن المصارف كانت تشرعن عملية اصدار النقد بدون ضمانات، من خلال طباعة أصول وهمية، ليس لها أي وجود في الواقع، ويقوم النظام الفيدرالي الامريكي بشراء هذه الأصول، ومن ثم تحصل المصارف على الدولار الامريكي، ومن ثم تطرحه في التداول، وبالتالي تجني الربح بعد أن يكون حصل على الصفة القانونية، ما يحدث يمكن وصفه بالبيزينس الأكثر ربحية في تاريخ البشرية، فضلاً أنه لا يرتبط بالسوق السوداء من تجارة  المخدرات والدعارة أو جرائم أخرى بأي شكل من الاشكال، أي أن هذا البيزنيس في حماية القانون، فبعض  النشاطات البيزنيس التي قد تسمى احتيالاً في الانشطة الأخرى، تعتبر طبيعية في القطاع المصرفي، وتعرف بالتحوط الجزئي الذي يشمل كفالة أصول لا وجود لها. 
 
عملية اصدار الدولار بدون سند من الذهب، أدت لتحفيز الطلب على السلع والخدمات، مما أنعكس على تحقيق الاقتصاد نمو قوي، من حيث اجمالي الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن وتيرة نمو الدين، تجاوزت نمو نتائج النمو الاقتصاد في الواقع، وهذا أدى لتعادل متوسط دخل العائلة الامريكية اليوم، مع مستوى  العائلة الأمريكية عام  1957من حيث القدر الشرائية، وهذا يعني  أن الاقتصاد الامريكي ليس على ما يرام ، فالاقتصاد كان على ما يرام عندما كان الدولار يتوسع في العالم ، ولكن الآن لا يوجد مجال للتوسع أمام الدولار، وهذا يؤدي  إلى مشكلة،  لأن هذا النظام قائم بطريقة يكون عاجز عن الاداء، دون توسع نفوذ الدولار. 

 إن النموذج المالي العالمي لم يعد قادرًا على الحياة، والاستمرار في الوجود، فهذ النظام كان فعالاً من عام 1981حتى 2008،  فحجم القروض حاليًا أكبر من  الناتج الاجمالي للولايات المتحدة بأربع مرات، وهذا يعني أن التشوهات البنيوية في النظام المالي الحالي أصبحت واضحة جدًا،  فنسبة الفوائد على القروض التي تمنحها المصارف المركزية التابعة لبعض الدول الغربية انخفضت من 18%  في 1918،  لصفر في عام 2008، وهذا الانخفاض يعني  أن مردودية توظيف رؤوس الأموال في انخفاض، فالمشكلة الاساسية اليوم هو عدم إمكانية إنتاج رأس المال، أي توظيف رأس المال في قطاع حقيقي، لذلك تقوم الحكومات بطباعة العملة بدون أي تغطية في أمريكا والغرب، وهذا أدى لانخفاض الفائدة على الودائع، وفي بعض الأحيان أصبحت سلبية، فالولايات المتحدة من خلال الفيدرالي الأمريكي، حاولت رفع سعر الفائدة، لكن هذا الأمر قد يتسبب في كارثة، في ظل الديون المتراكمة على الولايات المتحدة الأمريكية. 

  إن النظام المالي الحالي  معرض للإنهيار في أي وقت، وبعض المؤشرات تتوقع حدوث ذلك  في ربيع 2021،  فهذا النظام غير قابل للحياة، في ظل تدني مستوى الحياة لسكان العالم، رغم ارتفاعه شكليًا في بعض المناطق، فهذا الارتفاع أقل من مستوى التضخم "متوسط ارتفاع أسعار السلع والخدمات"، فالنظام الاقتصادي الذي يشكل فيه القطاع المصرفي 50% لا يمكن أن يبقى على قيد الوجود، فبعض المؤشرات تشير إلى أن الاقتصاد الامريكي قد ينخفض إلى 7 تريليونات دولار تقريبًا، أي سينخفض بمعدل الضعف، وعلينا أن نعلم بأن الاقتصاد الروسي هبط في عام 1991 مع انهيار الاتحاد السوفيتي بنسبة 35%، أما الاقتصاد الغربي فانخفض أيضًا بنسبة 35% في فترة الكساد العظيم، ومن المتوقع أن ينخفض الاقتصاد الغربي بمعدل مرتين عند انهيار النظام المالي العالمي، بينما الاقتصاد الروسي سينخفض بنسبة تصل لـ35%، ومن غير المعروف ما سيحدث بعد ذلك. 

  العالم مر في العصر الحديث بأربع أزمات اقتصادية حادة، الأولى في عام 1907، والثانية في عام 1930، والثالثة في سبعينات القرن العشرين ، والرابعة نشهدها الآن، وكان الخروج من هذه الأزمات، أمر ممكن من خلال توسيع السوق بوسائل مختلفة، وهذا الأمر يصعب تحقيقه الآن، لأن العالم بأسره يشكل  نظام واحد بسبب الانفتاح العالمي، لذلك لا مناص من تفكك النظام الاقتصاد الحالي، وهنا يجب الإشارة إلى  النزاع الواقع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والنظام الفيدرالي الامريكي، فالفيدرالي يحاول حماية النظام الدولار الحالي، بينما "ترامب" يحاول حماية الاقتصاد الأمريكي، وإن كان الثمن  تفكيك النظام المالي نفسه، فـ "ترامب" كأنه يقول للجميع بان مصالح الولايات المتحدة القومية تحتل المرتبة الأولى .

 ولك أن تعلم  أن حصة أمريكا من حيث الإنتاج والاستهلاك كانت تشكل أكثر من 50% من الاقتصاد العالمي في عام 1944 ، أما اليوم فحصتها من الاستهلاك تبلغ ثلث الاقتصاد العالمي، لكن حصتها من الإنتاج لا تشكل سوى 18% من الاقتصاد، ولذلك يقول "ترامب":  "أمريكا عليها أن تقلل استهلاكها إلى النصف، أو تزيد انتاجها إلى الضعف، وإلا ستحدث كارثة، فيجب أمريكا أن تبتعد عن الأفكار التي تتحدث بأن أمريكا تتحكم في النظام العالمي على حساب اقتصادها". 

  وأخيرًا وليس آخر، فإن لأزمة المرتقبة ستؤدي إلى انقسام العالم إلى أقاليم اقتصادية، لأن من المتعذر ابقاء العالم بلا إدارة ما، لذلك من الضروري وجود مراكز قوى إقليمية، وهذا الأمر بدأ عمليًا، فالصين اليوم تدير كل شيء في شرق أسيا، إن أزمة النظام  المالي الحالي سيتم تجاوزها بواسطة اصلاحات وليس عبر حروب كونية،  فالكارثة الاقتصادية الكونية الشاملة ستحدث مع انخفاض مستوى الحياة، وهذا الأمر سيكون أشد واقعًا في الدول الكبرى عن الدول النامية، وهذا الانخفاض سيكون حادًا وليس تدريجيًا، والعالم سيدخل بعد ذلك وضعًا لن يكون فيه نمو اقتصادي، وستبدأ منافسة بين الاقاليم الاقتصادية، ومن المتوقع أن لا يقع العالم العربي في منطقة اقتصادية معينة، بل سيتعاون مع أقاليم اقتصادية مختلفة.
هذا عن تحليل مستشار الدولة الروسي (ميخائيل خازين) وكتاب "غروب امبراطورية الدولار والسلم" الذي قام به جهابزة الاقتصاد في عام 2003 .

سجل معنا أو سجل دخولك حتى تتمكن من تسجيل اعجابك بالخبر

محرر الخبر

غاليه الحربي
المالكة والمدير العام
المالكة ومدير الموقع ومدير عام مؤسسة شبكة الصحافة للنشر اٌلكتروني أديبة وكاتبة ومنظمة فعاليات

شارك وارسل تعليق

بلوك المقالات

الصور

.

.

أخر ردود الزوار

الكاريكاتير

استمع الافضل

آراء الكتاب

admin الدعم الفني
صحفي في قسم مناسبات, رئيس فريق الدعم الفني شبكة نادي الصحافة السعودي
شبكة نادي الصحافة السعودية موجودة في "مبادرة تمكين جودة الحياة
2023-09-07   

آراء الكتاب 2

admin الدعم الفني
صحفي في قسم مناسبات, رئيس فريق الدعم الفني شبكة نادي الصحافة السعودي
شبكة نادي الصحافة السعودية موجودة في "مبادرة تمكين جودة الحياة
2023-09-07   
جمعه الخياط جمعه الخياط
صحفي في قسم مقالات, رئيس مجلس ادارة صحيفة صوت مكة الالكترونية
عكس اتجاه البوصلة .
2024-04-17   
فايزه عسيري فايزه عسيري
صحفي في قسم اخبار محلية, كاتبة وناشرة ببوابة صوت مكة التثقيفية
أمانة مكة تنظم ورشة حماية النزاهة وتعزيز الشفافية
2022-08-24   
بدر فقيه بدر فقيه
صحفي في قسم اخبار محلية, || محرر وناشر في شبكة نادي الصحافة السعودي. بكالوريوس نظم المعلومات من كلية الحاسب الألي بجامعة الملك خالد بأبها
عندما يتعرض مصاب بالسكري لنوبة انخفاض السكري وهو واعي
2018-11-20   
عيشه حكمي عيشه حكمي
صحفي في قسم اخبار محلية, محررة وناشرة بالصحيفة
رحلة اكتشافه للبيوت التراثيه لقريه عتود
2019-01-04   
حنين مسلماني حنين مسلماني
صحفي في قسم ثقافة وفنون, محرر وناشر
متصل الان (أحاديث قهوة )
2019-01-18   
شمعه خبراني شمعه خبراني
صحفي في قسم اخبار محلية, محرر وناشر بصحيفة صوت مكة الاجتماعية
وزارة العدل تتيح الاستعلام الإلكتروني عن الإقرارات
2019-12-15   
حورس الدعم الفني
صحفي في قسم اخبار محلية, مسؤول الدعم الفني
صناعة المشاريع دورة تدريبية بمكة
2024-01-24   
ساميه بكر سامية بكّر
صحفي في قسم مقالات, مدير تحرير القسم النسائي بمكة
مسيرة عطاء
2020-11-20   
سلمى البكري سلمى البكري
صحفي في قسم مقالات, مدير تحرير القسم الأدبي بالصحيفة
الطمأنينة
منذ 23 ساعة و 14 دقيقة