أخرجتْ حصّالتها من أحد المخابىء في غرفتها المشبعة بلون الطفولة، كانتْ تستقطع من مصروفها اليومي خُمْسه وتضعه في علبة التوفير، قالتْ لهم في حضرة الجميع وقد نثرتْ نقودَ عامٍ كامل :انظروا، الصغارُ مثلها التفوا حولها يريدون النقود، ألقتْ بجسدها الصغير تحمي ادخارها، طلبتْ منهم أن يذهبوا بها إلى السوق، لم تفصح عن مبتغاها ، اذهبوا بي إلى السوق وكفى، هكذا قالت، لم يخيّبوا ظنّها في الذهاب، أبوها يحبها كثيرا فهي آخر العنقود وهي المدللة، في أصيلٍ كوَّنتْ فيه الشمس أُفُقا ذهبيًا وفي منتصف الطريق قالتْ :أريد سوق الذهب، قال لها : سوق الذهب! دخلتْ المحلَّ الذي يعجُّ بأشكال وألوان المجوهرات، طلبتْ مجموعة من الخواتم، عندما رأوا أصابع يدها اختاروا لها الخواتم الصغيرة التي تناسبها، أعادتها إليهم، طلبتْ خواتم أكبر، أعجبها واحدٌ منها، قالتْ للبائع :ضعه لي في علبةِ هديةٍ فاخرة، دفعتْ الثمن وقد بدتْ النقود متناثرة مثل لهوِ الطفولة، ذهبتْ إلى محلِّ التغليف المقابل، كانتْ الهدية أروع مايمكن، سألها أبوها في الطريق عن سرّ الخاتم فلم تجبه، وصلتْ إلى البيت وهي تنتظر وقت الإهداء، جاء المساء رائعا، ليلة تزينتْ بالقمر وتعطرتْ بالنسائم الجنوبية، رافقه حضور باذخ لتجمّع الأسرةالأسبوعي ، سألوها عن تسوّقها، تركت سؤالهم واقتربتْ من أمها، فتحتِ الهديةثم رفعتِ الخاتم إلى أعلى وهو يلمع وسط بهجةالحضور، أمسكتْ بإصبع من أصابع أمها ثم أدخلتْ فيه الخاتم، طبعتْ قبلةَ العامِ على الخاتم والإصبع في آن واحد، ذهبتْ إلى أبيها، همستْ في أذنه، هزَّ رأسه وهو يبتسم وكأنها تقول : لن أنساك في العام القادم، دخلتْ إلى حصالة نقودها، وضعتْ فيها خُمْس مصروفِ اليوم الأول مقدما، وضعت حصّالتها في مأمن تنتظر عاما جديدًا من أجل أن تَفيَ بالوعد.
الكاتب / محمد الرياني