في صالة احدى المطارات وأثناء انتظاري لرحلتي والوقت يمر في صالات الانتظار ببطء شديد وكأنه يتعمد تأجيل فرحة التنقل والسفر والاستمتاع في أرض الله حتى يُملّ من القراءة والكتابة وأي هواية كانت و لا شعورياً انتقل لممارسة هوايتي الأثيرة وهي النظر للوجوه وقراءة انفعالاتها وما تظهر عليها من خرائط تفضح الكثير من سماتهم وردود افعالهم وحتى صفاء أرواحهم أو كدرها ومشاعرهم وإذا طال الوقت عليّ أكثر قد يمتد بي الحال إلى قراءة لغات أجسادهم والتي قرأت عنها الكثير من الكتب في الفراسة ولغة الجسد والانفعالات . وأنوه إلى أن هذه الهواية والتي شحذها هو حبي للاكتشاف وكثيراً من الفضول لديّ لمعرفة الناس وحبي ورغبتي لتوسيع دائرة معارفي الاجتماعية فما دونته في أسطري القادمة هي اجتهادات وروابط بعقلي لابتكارات علم النفس التي درستها مع موهبة الخيال اللامتناهي لتفكيري وحصريات رصدي أثناء مشاهداتي وتفرسي في وجوه الناس في الأماكن العامة وأؤكد بأنه ليس له علاقة بأي نظريات أو دراسات علمية كانت او نفسية أو اجتماعية . وأثناء تنقّل بصري بين وجوه الناس ذكوراً وإناثاً صغاراً وكباراً واختلاف ملامحهم وأعراقهم من مشارق الأرض ومغاربها رصدت الوجوه المنهكة والناعسة والغاضبة واللائمة والسعيدة البشوشة المستبشرة والواهنة والكئيبة وغيرها لم أجد أشدّ تعبيراً وشرحاً بل حتى فضحاً لدواخل أنفسهم وسلامة أرواحهم ومشاعرهم المختلفة تجاه الآخرين مثل الوجه فالوجه بكل ما فيه من أعضاء الحس ماهي إلا أعضاء استقبال وارسال للمشاعر وما تحمله أجوافهم وتصفى به أرواحهم وتضاريس الوجه منصة اعلان لها . ولذا دأبتُ على تلوينها بألواني الخاصة بي وتمييزها كلاً بحسب دلالات الألوان في فهمي وربطي المتواضع أثناء رصدي للوجوه .. فهناك أصحاب الوجوه السوداء ويعلوها التجهم وتعكس الكآبة لكل من يصادفها تثير في النفوس التشاؤم فلا يرون الأمل ولو كانت الأمال بحجم الشمس أوبكبر الكون ولديهم قدرة عجيبة لتحويل الخير إلى الشر والشروق إلى غروب والتفاؤل إلى تشاؤم والأدهى لديهم تفسيراً مبرراً لتلك الكمية من الإحباط والتشاؤم التي ينثرونها على من حولهم فهم مهيضيّ الاحباط والتقهقر لدى الساعين إلى النجاح فالحذر منهم لأنهم لا يملون من اثارة الكآبة والإحباط ولا يرغبون بالنجاح لهم ولمحيطهم ويصنف نمطهم من أعداء النجاح والحسنة الوحيدة فيهم أنهم لا يدارون سوأتهم فيسهل تمييزهم واقتناصهم وبالتالي البعد عنهم وعدم التأثر بهم . ثم أصحاب الوجوه الصفراء وهم يشعروني بعدم الراحة لأنها تورث حالة اللا شعور فلا تُحب ولا تُكره فأقف منها موقف أهل الأعراف يوم القيامة ، أصحاب الوجوه الصفراء تحب نفسها أولاً ثم الآخرين ولأنها وجوه محيرة فليس لديهم صداقة حقيقية لذا قائمة الصداقة قصيرة لديهم مع أنهم لا يحبون خسارة أي أحد أو أي شيء وفي الحقيقة يحرمون الصداقة الحقيقية ولا يعرفونها يُميزون بضحكة وابتسامة صفراء لا تنبع من قلب صادق ولحبهم الشديد لذواتهم فهم مرشحين لأن يصابوا بداء الحسد حتى لدرجة الحقد حسب درجة النجاح للناجحين في محيطهم ويصنفوا اعداءً للنجاح بل أراهم أخطرهم لأن حبهم لنفسهم يثير غيرتهم وحسدهم ثم حقدهم الذي يدفعهم للقيام ببعض العراقيل والأفعال الكيدية حتى لا يتجاوزهم الناجحون بأي شكل وطريقة وبأي ثمن . نأتي لأصحاب الوجوه الخضراء والتي تُسرّ بها بمجرد أن يصطادها نظرك يتميزون بابتسامة تجبرك على مبادلتها بمثيلتها تشعرك بدفء أرواحهم فتجد الأطفال ينجذبون إليهم فوراً مهما كان الطفل قريباً أو غريباً ومهما اختلفت اجناسهم واعمارهم يحبون الخير للآخرين بل حتى يؤثرونه لغيرهم يتدفقون عطاءاً بكل أنواعه شديدي الاحتواء والعطف على المحيطين بهم لديهم قدرة على تحمل البوح والتشكي وهم نعمة يمتن الله بها أصحاب القلوب الطيبة الصادقة على هيئة قريب أوصديق أو محب ويعتبروا محفزيّ للنجاح بفرحهم لنجاح من حولهم ومعززي للناجحين بالثناء والتشجيع فيعلو معهم وبهم وبتحفيزهم وحبهم . أما من يملكون وجوهاً حمراء سيماهم في ملامحهم الغاضبة ودماء وجوههم المحتقنة الساخنة لتظهر في حدّة أقوالهم ونظراتهم والانفعالات القوية الهائجة ولا تسمع منهم إلا التسخّط وألفاظاً جارحة للقلوب ومستنفرة للخوف في النفوس تثير فيمن حولها الخوف والتأهب بسبب خوفهم من انفجارات بركانية مدمرة وغضب جامح لا يعرفون مداه ولا يستطيعون السيطرة عليه لذا هم ليسوا فقط معرقلي النجاح وانما يوأدون الإنجاز قبل نجاحه ابتداءً فهم قد تحجروا وتجمدوا في أماكنهم لسوء طبعهم الغاضب فيمتصون طاقة من حولهم ويترصدون لهم بالنقمة والغضب والنقد واللوم فلا يقووا على مقارعة الناجحين أو التميز فيما يبرعون فيه فيتقهقروا للخلف ويتوقفون عن طلب النجاح . وهناك أصحاب الوجوه الزرقاء في ملامحهم سرور وانطلاق ورغبة بالمعرفة واقبال على الحياة كثيري الالتفات لا يريدون تفويت أي معرفة أو حدث بدون فحصه ورصده ذو همة عالية يحبون التنافس الإيجابي ويتفننون فيه ذوي إنجازات يجيدون مقارعة الناجحين لذا هم أكثر من يحفزونك للنجاح والتميز ويثيرون الحماس للناجحين من حولهم بمسابقتهم وتنافسهم ليصل نجاحك للقمة وفوق العادة يصل حتى الابهار وهم يحبون أن يكونوا بالمقدمة مع الآخرين احرص على وجودهم بحياتك فهم يحبون القمة ويكرهون التراجع وستصل لتحقيق كل أهدافك وأكثر معهم وبهم . وآخر الوجوه في الحياة هي الوجوه البيضاء يملكون وجوه ملائكية وضاءة بالنظر إليهم تشعر براحة وهدوء للنفس وسكون الروح أصحابها أغلبهم من الأطفال وبعض كبار السن والطاعنين بالعمر وذوي الأمراض المستعصية تجد نظراتهم قمة الوداعة تطمئن بمجرد تلاقي عينيك بأعينهم وترصد الحكمة بكلامهم وكأنهم يقولون كل شيء بخير لملامحهم نقاء كالماء الصافي لا يكدرها تعب أو اجهاد لديهم طاقة تفاؤلية تحيط بهم فتهدئ من اجهاد وقساوة المجاهدة في توفير متطلباتنا المادية في الحياة فهم على هيئة بركة أينما وجدوا حلت في المكان فيزيد الشعور بالاستقرار والأمان والركون النفسي والمُنعم في الدنيا من كان بحياته من أصحاب هذه الوجوه البيضاء المباركة فالجميع يحتاج لطاقتهم في دنيانا الفانية . ولعل ما طرحته الآن قد يتعارض مع دراسات أو نظريات أو حتى قناعات ولكني بمنتهى الحرية أقول هذه علبة ألواني أُلوّن ما شئت وكيفما شئت ومن أشاء ولك ألوانك لوّن بها ما تشاء وكيفما تشاء ومن تشاء .. الكاتبة / حنان بنت سالم الثقفي