حسب ناصية من النواصي العرفجية ...
شدني كثيراً مقالة لعامل المعرفة أحمد العرفج في جريدة المدينة عن التسامح فكتب ( يعرف العقلاء ، أن تكاليف التسامح وممارسته صعبة قوية ، ولكن تكاليف الحقد والتوتر أغلى وأعلى وأبقى وأشقى من تكاليف العفو ، والصفح والمسامحة )
واعتبرت هذا المقال بمثابة ( اعلان تحذيري ) من مغبة السقوط في قاع الأحقاد والتوتر وكذلك تنبيه لمن يعاني من داء الحقد والحسد ويشقى في حياته لاحتياجه للعلاج ..
ولكن ما العلاج وأين وكيف يكون ؟ وكيف نتحول من سلبية الحقد إلى إيجابية التسامح ؟
لذا الحق أقول لقد عانيت في فترة من حياتي المبكرة في السن من الغيرة وتوترها ومحاولة الركض حد اللهث للحصول على كل شيء وعانيت من شقاء وكدر حياتي وانقطاع أنفاسي بسبب ركضي وسعيي المتواصل والتسابق الانتحاري والصراع الداخلي للحصول على ما عند الآخرين .
فقررت يوماً أن أتوقف لألتقط أنفاسي من شقائي وأعالج قلبي المجهد بغيرته وتوتره قبل أن يتحول إلى الحسد والحقد على الآخرين وبدأت رحلة بحثي عن العلاج وبعد بحث واستقراء وقراءة توصلت لتدريب نفسي العصيّة وتطويعها لتنطلق في فضاء التسامح العظيم وتتحرر من عبودية الحقد وتوتره ، هذا وقد احطتُ نفسي علماً بأن هذا التدريب سيستغرق سنوات طويلة حتى أصل لأعلاه وهو الصفح وقد لا أصل !
ووجدت أن وصفة العلاج مكونة من ثلاث خطوات لا أقول انها سحرية ولكنها وصفة من وحي ديننا واخلاقيات هدي رسولنا ، وأول الخطوات :
متمثلة في قوله تعالى : ( اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ) وتحذير رسولنا صلى الله عليه وسلم في قوله : ( اياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث )
وقول جعفر بن محمد ( فالتمس له عذراً واحداً إلى سبعين عذراً )
فالبحث عن عذر إذا تنامى لسمعك ما تكره من أخيك المسلم واستعراضك ما وقع وحصل سابقاً له فائدتين ، الأولى قد تكتشف من جانبك الخطأ الذي قصّرت فيه أو وقعت فيه والأُخرى تطفئ النار التي في قلبك فتصير برداً وسلاماً فيحل السلام ويزول التوتر والحقد ولا يضطرب مؤشر المحبة والمودة التي في قلبك لأحد .
وثاني الخطوات : لا تتمنى ما عند غيرك فإنه أُعطي شيئاً ومُنعَ من آخر ، وما أُعطيتَهُ مُنعَ منه وما أُعطيَ هو مُنِعَ منك أنت ، ففي هذه الدنيا الفانية والتي أخبر عنها الله في الآية ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) من المستحيلات أن يُعطى الانسان كل ما تحبه النفس وتعشقه فهذا وعد الله لمن تداركته رحمات ربك وأدخله جنات الخلد في الآخرة فقط .
وثالث الخطوات : القناعة بما أُعطيت في الحياة ولابد أن تُسرّ به ولو كان يسيراً وإلا تكون من الجاحدين لأنعم الله فتزول عنك وتحرم فتكون من النادمين ويزيد همك وشقاؤك وتُحبط أحلامك وتسوّد حياتك ، فالقناعة تستجلب الحمد لله من قلبك ثم يجود بها لسانك في دعواتك فيتحقق وعد الله في الآية الكريمة ( لئن شكرتم لأزيدنكم ) فيفتح لك الرزق مهما كان صحة أو مالاَ أو استقرارا بزواج سعيد أو أبناء بارين فترضى ويرضى ربك ..
بهذا عالجت ودربت نفسي فتحولتُ من سلبية الحقد وتوتره إلى فضاء إيجابية التسامح والعفو وما زلت أُعيد الكرة علّنِي اصل إلى الصفح الجميل لتتسامى روحي وتصفو نفسي وأهنأ في حياتي ما كتب الله لي من حياة .
فلا بأس أن تجرِّب بنفسك وتتحول كما من سبقك وسبقك ففي مثل هذا فليتسابق المتسابقون ..
الكاتبة : حنان بنت سالم الثقفي